لسنوات مضت كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، قد حددت عشرة مواقع على لائحة التراث العالمي في سوريا والعراق، لكنها تطلق اليوم ما يشبه الإنذار، فإن تسعة من تلك المواقع في خطر.
ويأتي هذا في وقت أظهرت صور بالأقمار الصناعية بثتها الأمم المتحدة وتظهر أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش دمر واحدا من المواقع الأكثر أهمية في مدينة تدمر الأثرية السورية، وهو "معبد بعل"، كجزء من حملة أوسع وليس في تدمر فقط ، تطال مجموعة متنوعة من المواقع الأثرية يشنها التنظيم، الذي يبدو "الأكثر تحركا وانتشارات في سوريا والعراق حيث العديد من المناطق التاريخية الهامة وهي في حال الخطر"، كما تلفت الى ذلك قصة نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
تدمر: حضارة ما قبل الإسلام
إستولى عناصر "داعش" على تدمر السورية في آيار/مايو عام 2015، فيما حذرت منظمة "يونسكو" من أن تدمير المدينة القديمة سيكون "خسارة كبيرة للبشرية".
وكانت المدينة القديمة في تدمر من المواقع السياحية الأكثر شهرة في سوريا، وهي إشارة لحضارة سبقت الإسلام بمئات السنين وأصبحت مركزا للتجارة في القرن الميلادي الاول وورد ذكرها في النصوص التوراتية.
وتقول مديرة "يونسكو"، إيرينا بوكوفا، إن "الفن والعمارة في تدمر، مؤشران على مفترق طرق حضارات عدة، والمكان رمز لثروة الهوية التاريخية في سوريا، موضحة في بيان لها أن "المتطرفين يسعون الى تدمير هذا التنوع والثراء."
الحضر: عاصمة المملكة العربية الأولى
يعتقد أن مدينة الحضر العراقية تعود إلى الإمبراطورية البارثية في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وأصبحت في وقت لاحق عاصمة المملكة العربية الأولى. وتعرف المدينة بجدرانها وأعمدتها الضخمة التي تحمل تأثير كل من الإمبراطورتين الرومانية والإمبراطورية. وفي آذار/مارس من العام الماضي اظهر فيديو عناصر "داعش" وهم يستخدمون الأسلحة الثقيلة والبنادق لتدمير المنحوتات والتماثيل في مركز المدينة التأريخية.
وجاء تدمير الحضر بعد بضعة أيام فقط من قيام "داعش" بتحويل المدينة الآشورية القيمة (نمرود) الى أنقاض.
آشور (قلعة الشرقاط)
آشور، المدينة العراقية التي يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة، وأصبحت فيما بعد أول عاصمة للإمبراطورية الآشورية. ارتبطت المدينة مع الإله آشور وأصبحت مركزا دينيا هاما.
نظرا لقربها من المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو "داعش"، كانت هناك مخاوف من أن تواجه التدمير أو التخريب. وفي آيار/مايو الماضي كان هناك عدد من التقارير التي تتحدث عن تدمير الأقواس التاريخية في المدينة القديمة من قبل المسلحين.
المدينة القديمة في حلب
لطالما كانت حلب نقطة مهمة على طول الطرق التجارية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، ولها تاريخ غني وتراث معماري لمجموعة متنوعة من الإمبراطوريات المختلفة والأديان التي عاشت في المدينة المعروفة بأبنية مختلفة من الأهمية التاريخية، بما في ذلك قلعتها الشهيرة، وهي قصر محصن كبير يعود تاريخه إلى آلاف السنين.
وخلافا لبعض المواقع التأريخية الأخرى في هذه القائمة، لا تزال حلب مدينة مأهولة. ومنذ بدء الحرب السورية في عام 2012 تم تقسيمها بين قوات المتمردين والقوات الحكومية. وأصبحت المدينة هدفا لـ"داعش" خلال فصل الصيف. وتضرر عدد من المواقع الهامة في المدينة خلال القتال. فعلى سبيل المثال، تم في 2013 تدمير مئذنة الجامع الكبير في حلب المشيد قبل نحو ألف عام.
القرى التاريخية في شمال سوريا
وتقع هذه القرى، والمعروفة أيضا باسم " المدن الميتة"، في شمال غرب البلاد وتعود الى ما بين القرن الأول والسابع بعد الميلاد لكنها باتت مهجورة في القرن العاشر، و معالمها تظهر صورة الحياة في فترة العصور القديمة والعصر البيزنطي. ولكن الحرب الأهلية في سوريا شكلت خطرا عليها، مع بحث اللاجئين فيها عن ملاذ آمن، والمقاتلين المتحصنين عن نقاط محصنة للهجوم على الطرف المقابل.
ملوية سامراء: الأثر الباقي لعاصمة الخلافة العباسية
المدينة الأثرية في سامراء العراقية، هي عاصمة الخلافة العباسية، وتعتبر موقعا تأريخيا هاما وتصفها منظمة "يونسكو" بان منارة سامراء "الملوية" هي "الأثر الوحيد على قيد الحياة من عاصمة إسلامية تحتفظ بطرازها الخاص من الهندسة المعمارية والفنون، مثل الفسيفساء والنقوش".
وقد أصبحت المدينة الحديثة بسامراء مصدرا بارزا من التوتر بين السنة والشيعة بعد العام 2006 إثر تهديم تنظيم "القاعدة" لمرقد الإمامين العسكريين، وهو من المراقد الشيعية البارزة، الذي صار قبل فترة في دائرة الخطر مجددا حين اقترب منه عناصر تنظيم "داعش".
القلاع الصليبية: لقاء الغرب والشرق
"قلعة الفرسان" و"قلعة صلاح الدين"، هما موقعان تأريخيان يعودان إلى فترة الحروب الصليبية ويمثلان خليطا ثقافيا وعمرانيا من المؤثرات الأوروبية والشرقية. ومع ذلك، فقد كان كل منهما مسرحا لقتال عنيف في عام 2013، فقال المتمردون أنهم تمكنوا من هزيمة قوات النظام الذي عاد واستعاد "قلعة الفرسان" في عام 2014.
المدينة القديمة في دمشق: أقدم البقاع المأهولة
دمشق عاصمة سوريا، وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، مع بعض الحفريات يظهر أن المدينة كانت مأهولة في وقت مبكر لثمانية الى عشرة آلاف عام، و أصبحت عاصمة الخلافة الأموية، وكانت مهمة في الثقافة العربية منذ ذلك الحين. وهناك داخل أسوار البلدة القديمة 125 من المعالم الأثرية المحمية، بما في ذلك المسجد الأموي الذي لا يزال واحدا من أكبر المساجد في العالم.
كانت هناك مخاوف حول البلدة القديمة في دمشق بسبب انخفاض عدد السكان، الذين انتقلوا إلى المباني الأحدث، كما سبب القتال في العاصمة السورية قلقا بالغا عندما دخل المتمردون البلدة القديمة في عام 2012، ورد الحكومة بقصف مواقعهم.
المدينة القديمة في بصرى: نبطية، بيزنطية، وأموية
مدينة بصرى، مركز الحضارة الرومانية في المنطقة العربية، والتي تضم المسرح الروماني الذي يعود بناؤه الى القرن الثاني ويقع داخل أسوار البلدة القديمة. إنه يحتوي على عدد من المعالم الأثرية النبطية والبيزنطية والأموية أيضا.
ومع ذلك، فقد كانت المدينة مسرحا لقتال كبير خلال الحرب الأهلية السورية، مما وضع البلدة القديمة في خطر حقيقي. وكانت هناك تقارير عن قصف وتفجير في المدينة، فيما تم نهب الآثار من الموقع التأريخي منذ عام 2012.
الصور:
1- صورة بالأقمار الصناعية تظهر "معبد بعل" في مدينة تدمر الأثرية السورية قبل تدميره من قبل تنظيم "داعش" وبعد التدمير/وكالة الصحافة الفرنسية
2- يعتقد أن مدينة الحضر العراقية تعود إلى الإمبراطورية البارثية في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد/وكالة الصحافة الفرنسية
3- تم في 2013 تدمير مئذنة الجامع الكبير في حلب المشيد قبل نحو ألف عام/وكالة الصحافة الفرنسية