بقلم علي عبد الأمير:

مع نشر العديد من المؤلفات الجديدة عن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، يبرز سؤال مفاده: ما الذي يفيدنا عربيا ان نقرأ كتاباً جديداً عن التنظيم الارهابي الذي يسعى منهجيا وإجرائيا إلى القضاء على أي ملمح يمكن فيه للعرب والمسلمين تأكيد وجودهم الانساني في قرن عاصف وتحولات جارفة؟

ومثل هذا السؤال يتأكد مع كتاب الباحث الأميركي ويليام ماكنتس، الصادر حديثا وحمل عنوان " قيامة داعش .. الدولة الإسلامية: التاريخ والاستراتيجية والرؤية "، فهو بقدر ما يبدو مهما للكثير من صناع القرار والرأي العام أميركيا ودوليا لرصانة منهجه ودقة مصادره، إلا أن كثيرين في منطقتنا قد لا يرون فائدة كبيرة فيه، انطلاقا من كونه يشبه الجملة العربية "فسّر الماء بعد جهد أنه.. الماء"، فهم يكتوون بنار التنظيم، ما بين مقموع ومظلوم ونازح ولاجئ ومهدد بشتى أنواع المخاطر.

لكن هذا لا يتعارض مع فائدة كبيرة، يوفرها كتاب الباحث في  معهد بروكينغز المهم بالعاصمة الأميركية واشنطن، كونه يتوقف عند جوانب في غاية الأهمية، أوصلت منطقتنا إلى هذا المأزق الذي باتت تدفع أثمانه الباهظة يوميا، ومنها:

*إن "الربيع العربي" كان في حقيقته "ثورة ديموقراطية فاشلة"، فالمتطرفون والإسلاميون استخدموا الانتفاضات العربية في 2011 و2012  وعواقب اضطراباتها من أجل إسقاط الدول وخلق فراغ كبير هو في حقيقته مفيد للغاية لهم، فهم تمكنوا من الاندفاع بقوة لملء ذلك الفراغ. هنا يبدو موضوع إسقاط الدولة غاية في الأهمية لجهة أنه يوفر المسارات المفتوحة لأنواع أخرى من القمع، غير التي كانت تمارسها الدولة، وهو هنا القمع الاجتماعي وقدرته الوحشية على تدمير كل شيء بغياب الرادع القانوني الذي كانت تمثله الدولة.

*إن الفشل السياسي العربي يوفر أرضية صالحة للتطرف الديني كالذي يمثله داعش. بل إن الإرهاب والتوحش يصبحان الابنين الشرعيين للنظام العربي الفاسد. فقد لعبت الأحداث في سورية بين عامي 2011 و 2014 ، ومع فشل نظام البعث السوري في التعاطي مع الانتفاضة السلمية وقمعها بالقوة، دوراً بارزاً في التحول إلى العنف وتمهيد الطريق إلى "جبهة النصرة" أولا ثم داعش ثانياً.

*إن تنظيم داعش لا يمثل أقصى التفسير الأصولي- المتوحش  للنص الإسلامي، أي إنه ليس تمثلا حقيقيا للدين، بل هو نقطة التقاء كل الوحشية السياسية، فمن سمى نفسه الخليفة أبو بكر البغدادي يتحالف مع صنو إرهابي غير متدين هو البعث الصدامي، كما يمثله من كان ضابطاً كبيراً في استخبارات النظام العراقي السابق (حجي بكر) الذي صار لاحقا مبرراً عقائديا لتحالف شرير بين المتطرفين الإسلاميين والبعثيين.

*على الرغم من أهمية العامل الدولي، إلا أن هزيمة تنظيم داعش وباقي الجماعات المتطرفة لن تتحقق إلا عن طريق الفئات والحركات والقوى الاجتماعية المحلية، وهو هنا مهم جدا على الأقل في الحالة العراقية والسورية. وبدون هذا التحول القائم على إنهاء الارتباط، حتى ولو كان شكليا، بين المجموعات المتطرفة والحواضن الاجتماعية، لا يبدو إلحاق الهزيمة بالإرهاب أمراً سهلاً وممكنا حتى لو تصدت له أكبر القوى العالمية وأعظمها.

الصورة: غلاف كتاب "قيامة داعش .. الدولة الإسلامية: التاريخ والاستراتيجية والرؤية"

مواضيع ذات صلة: