بقلم ندى الوادي:

حكايات المقاتلين مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تفتح الباب على العديد من الأسئلة المحيرة: ما هي قصة هؤلاء المقاتلين؟ من أين جاءوا وأي ظروف دفعتهم إلى اتخاذ القرار بالانضمام إلى هذا التنظيم الإرهابي؟

أما عندما يكون بطل الحكاية طفلاً لا يتعدى الأحد عشر عاماً، دفعت به الأقدار إلى حمل الكلاشينكوف، فعندها تصبح الأسئلة أكثر من محيرة، ويصبح البحث في هذه القصة أمراً حتمياً.

هذا ما حمل فريق برنامج "فردوس الضلال"، وهو جزء من حملة (إرفع صوتك) إلى قلب حي بني مكادة في مدينة طنجة المغربية، الحي الشعبي الفقير الذي عرف بخطورته وسيطرة الجماعات الأصولية عليه. ذهب الفريق باحثاً عن أسامة الشعرة أو "طفل الكلاشينكوف" كما أطلقت عليه الصحافة المغربية، والذي شغل الرأي العام المغربي كأصغر مقاتل في تنظيم داعش.

تقول مديرة قسم البرامج في قناة الحرة وصاحبة فكرة برنامج "فردوس الضلال" ليلى بزي، إن قرار الذهاب إلى المغرب لتصوير مقابلة مع أسامة، والذي لم يسبق له إجراء أي مقابلة صحافية، لم يكن سهلاً، إذ أن الوصول إلى حي بني مكادة والتصوير فيه بحد ذاته يعتبر خطراً للغاية.

وتضيف بزي "كنا نعتقد أن الطفل قد يكون مجرماً وساهم في القتال مع داعش. ولم نرد إلقاء الضوء على قصة تنتهك فيها الطفولة بهذا الشكل،.لكننا نظرنا إلى القصة باعتبار أسامة ضحية، وقررنا أن نعالج القصة من هذه الزاوية".

كان أسامة محاطاً برجال الأمن المغربي عند إجراء المقابلة معه، الأمر الذي كان مبرراً بحسب ما يقوله مخرج ومنتج البرنامج بيار جاد.

يتحدث جاد الذي اضطر لتغيير اسمه إلى "محمد" لتسهيل حركته في حي بني مكادة عن أسامة قائلاً "كان متجاوباً في حديثه معنا، لكنه كان خائفاً ومتردداً وكان من الواضح أنه كان يراقب رجال الأمن في كل ما يقول".

ويضيف جاد في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) "ذهبنا إلى المغرب لتصوير هذه القصة ونحن ننظر إلى الصبي على أنه ضحية. فحتى لو كان قد شارك في أي قتال فهو في النهاية طفل لا يمكن محاكمته وكان ضحية أهله الذين أخذوه إلى هناك".

أكد أسامة في مقابلته في برنامج "فردوس الضلال" أنه حمل سلاح الكلاشينكوف بالفعل، ولكن للتصوير فقط وليس للقتال. وتحدث عن طفولته في حي بني مكادة وقصة رحلته إلى سورية مع والده، ومكان تواجده في الربيعة باللاذقية. تحدث أيضاً عن رعبه من صوت القصف، وكيف التقى بكثير من المغاربة هناك. لكنه لم يجب عن أسئلة أخرى كثيرة، رفض أن يجيب مثلاً عن مصدر التمويل في سورية، وعن أسباب انضمام كثير من المغاربة في حي بني مكادة إلى داعش.

أما أهم الرسائل التي حاول أن يمررها فهي قوله إن والده، الذي كان أحد أمراء تنظيم داعش، كان ضحية ومطالبته بالإفراج عنه، وعبر بقوة عن معاناة و تدهور حياة الأسرة بعد هذه التجربة.

لم يكن التصوير في حي بني مكادة سهلاً ، حتى أن الفريق تردد في الاستمرار في التصوير أكثر من مرة. يقول جاد "يمكننا أن نفهم لماذا استطاعت داعش أن تستقطب الكثيرين من حي بني مكادة، إذ أنه حي فقير جداً ويقع في منطقة متطرفة ومحرومة، وقد مارس الداعشيون هناك إغراءات مادية ودينية كبيرة للغاية، لقد كان هاجس الخوف مسيطراً علينا طوال الوقت ونحن نصور هناك". كثير من اللقاءات التي كان من المقرر أن يقوم بها فريق فردوس الضلال تم إلغائها في آخر لحظة بسبب اعتذار الضيوف نتيجة للهاجس الأمني.

البحث عن قصص المقاتلين مع داعش وحياة عائلاتهم بعد رحيلهم كان الدافع الرئيسي وراء برنامج "فردوس الضلال". تناول الفريق قصصاً عديدة من تونس والمغرب وسوريا وكندا وغيرها. وتوصل إلى ملاحظات مهمة. يقول جاد "بحسب أغلب الأمهات اللاتي قمنا بمقابلتهن، فإن أغلب الشباب الذين ذهبوا إلى داعش كانوا اجتماعيين ولديهم علاقة طيبة بأهلهم وحضور اجتماعي كبير، وهو دليل على أن داعش لا تستقطب ضعاف الشخصية".

أما الملاحظة الأخرى التي كانت حاضرة دائماً في تلك المقابلات فهي أن بعض المقاتلين قد يريد الرجوع، لكنهم يستمرون في البقاء هناك بسبب استحالة رجوعهم إلى بلدانهم لأسباب تتعلق بالتنظيم أو ببلدانهم.

ويبقى السؤال المطروح حول إمكانية اندماج المقاتلين مع داعش في مجتمعاتهم في حال تمكنوا من العودة. ويقول جاد "أرى أن اندماج الطفل أسامة الشعرة في مجتمعه ممكن، فمن الواضح أن لديه أصدقاء الآن وأحلام بالمستقبل. هو يحب الكرة ويحلم بأن يكون لاعباً شهيراً في المستقبل، كما أن مدربه يقول بأنه متميز للغاية في أدائه، لذلك أعتقد بأن إعادة التأهيل هي أمر ممكن".

قصة أسامة ربما تتكرر في أطفال آخرين في المغرب. وتقول ليلى بزي "أعتقد أن أسامة الشعرة هو ضحية أبوه والصحافة والمجتمع، والخوف الأكبر هو من الحملة التي تقوم بتجنيد الأطفال في المغرب مستخدمة قصة أسامة الشعرة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: