بقلم محمد الدليمي:
يستنزف الفساد في مصر مبالغ طائلة تبلغ بحدّها الأدنى حوالي 30 مليار دولار سنوياً، بحسب تقارير رسمية في مصر. وهو مبلغ ضخم – بكل المقاييس - كان من الممكن أن تستفيد منه الدولة في مجالات عدة منها تقليل الدين العام وزيادة فرص العمل وتحسين الخدمات.
كما تحتلّ مصر المركز 11 عربيا، و94 عالمياً حسب (مؤشر مدركات الفساد) الذي أصدرته الشفافية الدولية. والفساد ليس أموالاً تهدر أو تسرق فحسب، لكنّه تهديد لاستقرار البلاد وأمنها ورفاهية شعبها ولضمان مستقبل أجيالها، وتهديد كذلك لوجود الدولة نتيجة اهتزاز ثقة الناس بالحكومة والنظام القضائي وتنامي الشعور بالمظلومية.
هذا فضلاً عن مشاكل متعددة مثل تكوين بيئة طاردة للاستثمار وتدهور لقطاعات مختلفة مثل التعليم والصحة والدفاع ومخاطر انهيار الطبقات الوسطى وما تحمله من زيادة نسب البطالة وارتفاع نسب الفقر وغيرها من آثار الفساد على الدول.
أرقام مخيفة
الخبير الاقتصادي المصري دكتور صلاح جوده، مدير مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة، يتحدّث حول حجم الفساد في بلاده وأسبابه وإمكانية علاجه. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الفساد موجود في كل دول العالم ويأخذ أشكالاً متعددة في كل دولة". ويُعدّد جوده أمثلة عن أشكال الفساد في مصر من ضمنها "غياب القوانين الفاعلة وانتشار الرشوة والاستيلاء على الأراضي وغسيل الأموال وغيرها".
ويشير جوده إلى أنّ "فاتورة الفساد في مصر تبلغ بين 200 – 250 مليار جنيه مصري سنوياً على الأقل (بحدود 30 مليار دولار سنوياً) بحسب الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر".
ويوضح أنّ "هذا المبلغ يُشكل قرابة عشرة بالمئة من الدين العام الداخلي والخارجي والذي بلغ حوالي 2600 مليار جنيه (320 – 340 مليار دولار)"، مضيفاً أنّ "تقليل هذه النسبة الكبيرة سيكون له أثر ايجابي على الاقتصاد وذلك من خلال توفير مزيد من فرص العمل فضلاً عن تحسين وتوفير خدمات يحتاجها الناس في قطاعات مختلفة من التعليم والصحة وغيرها".
حماية الفساد بالتشريعات
كما يدعو جوده إلى "تحديد سقف زمني لإصدار قوانين جديدة تقلّل من الفساد وتكون جاذبة للاستثمارات مع إلغاء القوانين السابقة". ويشير إلى "وجود مواد قانونية تثير الاستغراب مثل مادة في قانون لمنع الاحتكار في مصر. هذه المادة تجعل ممن يتقدم ببلاغ ضد محتكر "مجرماً" حيث تلزمه بدفع نسبة من الغرامة المفروضة على المحتكر في حال ثبوت التهمة ضده". ويؤكّد جوده "هذا نوع من الفساد في التشريعات نفسها وحماية الفساد بالتشريعات".
عن التصالح ومحور المال السياسي
تشهد مصر في الآونة الأخيرة حراكاً متزايداً لإيجاد تسوية والمصالحة مع مستفيدين من عمليات فساد مختلفة. يساند جوده هذا الإجراء "لكن بشروط"، ويتحدث عن "الفوائد التي يمكن أن تجنيها الخزانة المصرية من هذه العملية، فضلاً عن ضرورة توافر شروط مختلفة للتصالح مثل اعتراف المستفيدين بجرمهم والدلالة على من تعاون معهم من موظفين ومسؤولين، بالإضافة إلى عقوبات اجتماعية مثل المنع من الترشيح في نشاطات مختلفة يتمّ فرضها على من يريد التصالح فضلاً عن إعادة الأموال المصرية التي بحوزتهم كاملة".
ويشرح جوده أنّ هذه الإجراءات تشبه عملية التصالح في جنوب أفريقيا والتي كان من شروطها "الاعتراف والمصارحة قبل المصالحة".
ويبدي جوده تفاؤله بحبس وزير الزراعة المصري نتيجة ثبوت تهم فساد عليه. ويقول إنّه "مع تطبيق القانون على الجميع وإن هذه الحادثة فريدة من نوعها بعد أن كان الوزراء لا يُسجنون سواء كانوا في السلطة أو بعد تركهم السلطة".
وعن استخدام المال السياسي، سواء من الاحزاب المدنية أو الدينية، يشدّد جوده على "ضرورة رصد المال السياسي، وسؤال المرشحين عن الأموال التي ينفقونها وهي تتخطى الحد المسموح به قانوناً ومن أين أتى المرشحون بهذه الأموال؟".
هذا هو العدو
يقول جوده إنّ "الحرب على الفساد يمكن أن تكون قصيرة جداً بشرط تظافر عوامل عدة على رأسها الإرادة السياسية، والإدارة الرشيدة للموارد وتطبيق القانون على الجميع بصورة متساوية".
ويضيف أنّ "مصر وغيرها من الدول تحتاج إلى عدالة ناجزة تطبق على الجميع في حربها ضد الفساد".
وعند سؤاله عن ضرورة الحرب ضد الفساد وبماذا يشبه الفساد وخطره، يقول جوده:
"الفساد عدو للوطن... هذا هو العدو".
*الصورة: بترخيص من الخبير الاقتصادي المصري دكتور صلاح جوده.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659