بقلم علي عبد الأمير:

"سأكتب عما مررت به انا وعدد من زملائي، سواء الذين قتلوا أوالذين فروا وغيرهم من المعتقلين والمفرج عنهم"، هكذا يكشف الصحافي الموصلي الشاب (م . س)، رحلته بين الغام داعش منذ أن استولى التنظيم الإرهابي على المدينة في العاشر من حزيران/يونيو 2014.

وقال م.س في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) "بدأت معاناتي منذ سيطرة داعش على مدينة الموصل، وقيام التنظيم باعتقال العديد من زملائي بحجة أننا مرتدون عن الدين وكنا نوظف أقلامنا وأخبارنا وتقاريرنا لصالح الحكومة العراقية التي يعتبرها التنظيم كافرة".

ويوضح الصحافي المولود في العام  1985 وعمل في مجال الصحافة والإعلام منذ عام 2007 وحصل على عضوية "نقابة الصحفيين العراقيين" في عام 2011، أنه "مع بدء حملة الاعتقالات التي شنها التنظيم، بدأت الإتصالات تزداد بين الصحافيين محذرين بعضهم من خطورة الوضع، وضرورة الخروج من المدينة قبل تمكن التنظيم من الوصول اليهم. فقام حينها الكثير من الصحافيين بالخروج من المدينة، وكنت من بينهم".

وإثر تمكنه من الهروب باتجاه محافظة كركوك في تشرين الاول/أكتوبر 2014  ومنها توجهه إلى أربيل، علم م.س أن تنظيم داعش اعتقل مقدم البرامج في قناة الموصلية جمال صبحي الملقب بجمال المصري، وزميلته ميسلون الجوادي، اللذين كانا يعملان معه في القناة نفسها وأن التنظيم أعدم ميسلون الجوادي رميا بالرصاص. ومن ثم  ومن ثم قام التنظيم بشن حملة تمكن من خلالها من اعتقال 13 صحفيا من قناة "سما الموصل" في يوم واحد.

إثر ذلك الحدث وما يمثله من تصفية شبه جماعية لعاملين في مؤسسة إعلامية واحدة، "بدأ الصحافيون بالهروب بشتى الوسائل"، يقول م.س. "بقي في المدينة الفقراء منهم وأصحاب العوائل، الذين منعهم العوز المادي من الفرار إلى خارج المدينة، ولتتوالى اعتقالات التنظيم للصحافيين بعد ذلك".

ضاقت به الارض

أمضى الصحافي الموصلي نحو شهر  في أربيل، ليسافر بعده إلى تركيا بحثا عن عمل لم يتمكن من الحصول عليه، مما اضطره للعودة إلى أربيل، والعمل بصفة مؤقتة كمحرر أخبار في قناة عراقية تتخذ من عاصمة إقليم كردستان مقرا لها. ولولا توسط أحد كوادر اتحاد الصحافيين الدوليين لدى نقابة صحافيي كردستان ليستطيع م.س دخول الإقليم، ما تمكن من  ذلك، حسب قوله، بسبب منع العرب من دخول أربيل بدون وجود كفيل من أبناء المدنية أو الإقليم.

توجه م.س بعد ذلك إلى بغداد قاصدا "نقابة الصحفيين العراقيين"، "ولم أجد منهم أي اهتمام لما حلّ بي ولوضعي المادي والصحي المتدهور نتيجة ما عشته من ظروف صعبة. وبعد نفاذ ما لدي من أموال، لم أجد أمامي سوى طريق العودة إلى الموصل مستسلما لقدري المحتوم راضيا بالموت مقتولا خيرا من أن أموت متشردا وأعيش ذلك السؤال والحاجة".

كابوس في الموصل: واقفون فوق رأسي لاعتقالي

ويواصل الصحافي الموصلي رحلته بعد عودته إلى مدينته المحتلة، "عدت إلى الموصل في كانون الثاني 2015 وهنا بدأت الحرب النفسية التي استمرت خمسة شهور. بدأت العيش تحت حكم داعش من جديد. وكنت على يقين أنني سأصحو يوما من النوم لأجدهم واقفين فوق رأسي لاعتقالي.. تخفيت كثيرا وغيّرت ملابسي وشكلي وأطلقت لحيتي لأبعد الشبهات عن نفسي لغاية شهر أيار 2015، حين بدأ التنظيم بالبحث عن كوادر قناة "الموصلية" التي كنت أعمل فيها تحديدا، واعتقل منهم فراس البحر وعبد العزيز محمود وجلاء العبادي وآخرين كانوا يعملون في وكالات وقنوات محلية أخرى".

ومن خلال متابعته لأخبار مدينته على إحدى القنوات، صدمه خبر مقتل زميليه في "الموصلية" جلاء العبادي وفراس البحر. "حينها قررت أن أستلف مبلغا ماديا من أحد الأقارب لأتمكن من الخروج إلى خارج الموصل، خصوصا بعد أن صادفت في إحدى الشوارع أحد زملائي المفرج عنهم والذي أبلغني أن التنظيم حينما اعتقله وحقق معه سأله عني وعن عنواني... خرجت من الموصل بعدها بيومين متوجها إلى تركيا عبر سورية".

الخروج من جحيم "الدولة الاسلامية"

من الموصل إلى القامشلي، ومنها إلى الرقة والحسكة وحلب وريف حلب ومنبج وعفرين واعزاز، حتى وصوله إلى مدينة كلس التركية، وهو ﻻ يقوى على الحركة بعدما قضى أربعة أيام، "رأيت فيها الموت المحتوم أكثر من رؤيتي لنور الشمس".

يعيش م.س اليوم في تركيا، تاركا عائلته التي لم يعد يعرف عنها شيئا، سوى ما يرشح من خلال مكالماتترده منها بين الحين والآخر.

ويضيف م.س "خلال تواجدي في تركيا، اتصل بي العديد من الزملاء الذين عرفوا بخروجي من خلال منشوراتي على (الفيسبوك)، وقمت لاحقا بمساعدتهم على الخروج بنفس الطريقة التي خرجت بها حتى تمكنوا من الوصول إلى تركيا. وها نحن الآن نعيش حياة الضنك بعد ما تركنا بيوتنا وأهلنا وكل ما نملك لنسلم على أرواحنا من بطش الدولة الاسلامية وجحيمها". 

لا أحد يسمع النداء!

ويلفت (م.س) الى أنه قام خلال تواجده في تركيا بأكثر من محاولة لطلب العون والمساعدة من نقابة الصحفيين العراقيين وبعض المنظمات الدولية "لكنني لم أجد اذانا صاغية ولا أحد استجاب لندائي. فأهملت الموضوع بعدما علمت أن زملائي الذين قتلوا في الموصل، طلبوا المساعدة من نقابة الصحفيين العراقيين لخروجهم من المدينة قبل أن يتمكن داعش من اعتقالهم، لكنهم لم يجدوا من ينجيهم أو يهتم بمناشدتهم".

ويضيف "هنا نحن الآن، بعد أن هجرنا وضاع مستقبلنا، نعيش في أماكن ﻻ تصلح حتى لعيش الحيوانات متحملين المصاعب، ولم نجد غير الشجب والتنديد والإعراب عن الأسف الذي طالما سمعناه من المسؤولين في الحكومة العراقية أو نقابة الصحفيين، فيما أتمنى أن أصل إلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الصحافيين لأرفع دعوى قضائية على نقابتنا التي ينخر الفساد المالي والإداري والفكري مرافق عملها".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: