بقلم علي عبد الأمير:
يحمل الكاتب والمحلل الاستراتيجي الأميركي دافيد اغناشيوس، مجهره المعلوماتي والسياسي ليفحص ما بدا "لغزا" في أحيان و"نظرية مؤامرة"، إنه السؤال القديم: كيف أصبح تنظيم "الدولة الاسلامية" أو "داعش" قوة فاعلة في الشرق الأوسط؟
بعد أن عرضنا للمدخل السياسي والفكري للموضوع، نعرض اليوم لما توقف عنده الباحث وتناول فيه "الجذور العراقية لداعش" عبر المؤشرات والحقائق التالية:
*العامل الديني لم يكن حاسما في انتصار القوة الإسلامية الأولى على أقوى امبراطورتين في وقتها: البيزنطية والفارسية. فالعرب الذين غزوا الإمبراطوريتين لم يكونوا حشدا من القبائل ولكنهم قوة منظمة، وبعض قادتهم قد اكتسب المهارات والخبرات العسكرية أثناء عمله في خدمة الإمبراطوريات، وتحول لخدمة الجيش الاسلامي لاحقا. وكذلك العامل الديني لم يكن حاسما في قوة تنظيم داعش فكثير من قادة نظام العراقي السابق والبعثيين السابقين الذين خدموا في وحدات صدام حسين الأكثر سرية ووحشية وتحالفوا مع "داعش،" لا علاقة لهم بالدين، بل كانوا أصحاب خبرات عسكرية واستخبارية وتكتيكات قتالية بارزة.
*حين اقتنع الأميركيون بغزو العراق، بدأ "أبو مصعب الزرقاوي" بناء قاعدة هناك في عام 2002. وثبت بعد عام أنه على استعداد للتحالف مع فلول استخبارات صدام. ليهاجم بعد أربعة أشهر على إسقاط النظام، ثلاثة مقرات "أحسن" اختيارها كأهداف: مقر الأمم المتحدة والسفارة الأردنية في بغداد ومسجد الإمام علي، المزار الشيعي في النجف الذي سيكون عنوانا للحرب القذرة المقبلة. ولتحطم هذه القنابل المؤشرات التالية: العراق سيكون منطقة محظورة على المنظمات الدولية، وهو ما قد يخفف من عبء الاحتلال الأميركي. قطع روابط العراق مع راعي السنة (الأردن) والعراق سيتم شقه في حرب طائفية شرسة بين المسلمين السنة والشيعة.
*إهمال العامل السني: أتذكر أن أحد المسؤولين البارزين في مجلس الأمن القومي الأميركي قال لي أكثر من مرة أن الإجابة عن الحل في العراق كانت "حل 80 في المئة". بمعنى آخر، إن الأكراد والشيعة هم بناء الدولة الجديدة بغض النظر عن معارضة 20 في المئة من السكان الذين كانوا من السنة. وهذا الرأي المتهور كان قد أخذ صورة السياسة الأميركية الحقيقية في العراق.
*الضربات الجوية الأميركية قتلت الزرقاوي في حزيران/يونيو 2006، ولكن مع ذلك مضى أتباعه لإعلان "دولة العراق الإسلامية"، في تشرين الأول/أكتوبر 2006.
* لاحقا، احتضن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش نهج "زيادة القوات" التي اقترحها الجنرال ديفيد بترايوس. تم مكافحة التمرد من قبل زعماء العشائر السنية بفعل "الصحوة" وتلقي المال والاهتمام الأميركيين. واستغرق مقاتلو القبائل السنية وقوات العمليات الخاصة الأميركية نحو عامين لشن حرب بلا رحمة على تنظيم القاعدة في العراق، حتى بدت "الدولة الإسلامية" بحلول عام 2009، والتي خلقها الزرقاوي ... ميتة. ولكن ليس تماما، فقد بقيت هناك جمرات لتلك "الدولة" أشعلها غضب السنة وتم رعايتها لتتحول إلى شعلة في السجون الأميركية بالعراق، مثل "بوكا"، حيث اختلط المعتقلون من المتشددين السنة مع أعضاء سابقين في حزب البعث، ولتتشكل نواة لحركة جديدة وصلت إلى ملامح "داعش" اليوم.
*لم يشعر المسؤولون الأميركيون بالنار التي كانت تستعر تحت الدولة العراقية، ويقودها رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شيعي، ثبّت أركان الفساد والطائفية في حكمه مما أدى إلى إبعاد السنة من السلطة.
*في ما يمكن وصفها عملا من أعمال الحماقة، بدت الولايات المتحدة تنسق (مع إيران كشريك صامت) في عملية المساومات التي أبقت المالكي في السلطة. نائب الرئيس جو بايدن، كان مسؤولا عن المساومة، التي أشعلت الجمرة ومكّنت لاحقا من اعلان "الدولة الإسلامية".
*في السنوات التي تلت إعادة المالكي إلى السلطة عبر "إعادة انتخاب"، كانت "الدولة الإسلامية" تنشط في حملة شرسة لاغتيال زعماء العشائر السنية وبقايا حركة الصحوة في محافظة الأنبار العراقية. بين عامي 2009 و 2013، قتلت "الدولة الإسلامية" 1345 رجلا من أفراد الصحوة، وفقا لبحث رسالة الدكتوراه الذي أجراه الضابط السابق في الجيش الأميركي كريج وايتسايد. لم ينتبه أي شخص في واشنطن إلى "رنين السيوف" ذلك، فيما كانت حكومة المالكي سعيدة ربما لرؤية مقتل مسلحين من السنة.
*حملة الاغتيال تلك أضعفت المقاومة السنية، مما ساعد "داعش" في الاستيلاء على الموصل في عام 2014. وساعد أيضا استخدام السجون العراقية كمعسكرات للتدريب وبناء الثقة وتعميق الكراهية للحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد بين عدد كبير من المعتقلين السنة، فيما كانت عملية "كسر الجدران" لتحرير هؤلاء أسهمت في تقديم هؤلاء كقوة مجهزة الى المعركة. ويقدر الضابط وايتسايد أن ما بين تموز/يوليو 2012 وتموز/يوليو 2013، شن "داعش" سبع غارات على السجون الكبرى، وبلغت ذروتها في عملية مذهلة، منظمة تنظيما جيدا، في سجن أبو غريب.
*اعترف مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر في مقابلة معي في أيلول/سبتمبر 2014: "لقد قللنا من شأن "الدولة الإسلامية" وبالغنا في تقدير القدرة القتالية للجيش العراقي. ... لم نكن نرى انهيارا وشيكا لقوات الأمن العراقية في شمال البلاد".
*أوباما ما كان بإمكانه تجاهل سيطرة "داعش" على الموصل. ولكن حتى بعد أن دفع الرئيس وبنجاح لاستبدال المالكي برئيس وزراء أقل طائفية، كافحت أميركا لكسب ثقة زعماء السنة وتوظيف هذا النوع من القوة التي يمكن معها دحر "داعش". لكن وبحسب أولئك الزعماء "في كل مرة نجتمع فيها، كان الأميركيون يدونون الملاحظات فقط". وفي حين سعى هؤلاء إلى "علاقة استراتيجية مع الاميركيين"، كانت الولايات المتحدة تخشى إنشاء "الحرس الوطني لأهل السنة"، خشية غضب الشيعة وعدم موافقة الأكراد على هذا الاقتراح.
*المشكلة مع استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة "داعش" في العراق هو أنها تعتمد على حركة القبائل السنية، وهو واقع لم يعد موجودا.
*الصورة: أنقاض مقر الأمم المتحدة في بغداد بعد الهجوم عليه بشاحنة مفخخة في 19 آب/أغسطس 2003/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659