بقلم علي عبد الأمير:

يحمل الكاتب والمحلل الاستراتيجي الأميركي دافيد اغناشيوس، مجهره المعلوماتي والسياسي ليفحص ما بدا "لغزا" في أحيان و"نظرية مؤامرة"، إنه السؤال القديم: كيف أصبح تنظيم "الدولة الاسلامية" أو "داعش" قوة فاعلة في الشرق الاوسط؟ وبعد أن عرضنا لما توقف عنده اغناشيوس وسماها الجذور العراقية لـ"داعش" ثم عرضنا لما اعتبرها "الدروس التي تقدمها الحملة على "داعش" في العراق"، نعرض اليوم للقسم الأخير من دراسة الباحث والخبير الأميركي، ويعرض فيه لـ"الجذور السورية" للتنظيم الارهابي.

تفكيك التشابك في قصة توسع "داعش" في العراق تنتج سردا متماسكا. لكن هذا أقل حقيقية في سورية. فانتشار "الدولة الإسلامية" هناك يبدو، بحسب القول المأثور الفرنسي الشهير، "خطأ أسوأ من الجريمة". فنحن لا نعرف ما إذا كانت سياسية أكثر هجومية من قبل الولايات المتحدة، عبر تسليح المعارضة السورية المعتدلة بوقت مبكر، أو قصف المقرات الحكومة السورية بعد استخدام الرئيس بشار الأسد أسلحة كيميائية ضد شعبه، يمكن أن تقدم نتائج أفضل. ولكن من الصعب أن نتخيل سياسة تفعل ما هو أسوأ مما صار حقيقة اليوم.

أميركا والقوى الاقليمية: سياسات متهورة؟                      

إذا كان تنظيم "داعش" شهد نموا عضويا في العراق (السرطان هو نمو عضوي أيضا)، فإنه في سورية زرع على ما يبدو أكثر مما يبدو نموا طبيعيا وعضويا. الجميع  ارتكبوا الأخطاء: الولايات المتحدة، قطر، تركيا، إيران، والمملكة العربية السعودية، وأقدموا على إجراءات متهورة حقا، مما جعل سورية تبدو "قمرة القيادة" لحروب بالوكالة عنهم جميعا. فتركيا سمحت بفتح حدودها الجنوبية مع سورية، بحيث وفرت لتنظيمي "داعش" و"النصرة" ما يرقى إلى منطقة آمنة لوجستيا. وكانت إيران قد وجّهت "حزب الله"، وهو الميليشيا اللبنانية التي كانت مهمتها قتال إسرائيل، إلى سورية لإنقاذ الأسد. وكانت المملكة العربية السعودية وقطر قد استخدمتا سورية للتنافس على النفوذ الإقليمي، فمولتا مجموعات من الميليشيات السنية التي ثبتت سهولة تجنيدها للمتطرفين (وبهذا المعنى قيامهما بدعم المتطرفين). وكانت روسيا التي وقفت مع حليفها الأسد، قصفت المدنيين ودمرت البلاد.

التدخل العسكري الأخير لروسيا في سورية جاء إسميا لمحاربة المتطرفين، ولكنه في الحقيقة يعني المزيد من الجهود لدعم حكومة تحمي المصالح الروسية. هي سياسة القوة في شكلها الأكثر بدائية، كما يفهمها فلاديمير بوتين. وتركزت العمليات العسكرية الروسية (بتنسيق مع إيران)، ليس على معاقل "داعش" في شمال شرق البلاد، ولكن على قوات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة والسعودية في شمال غرب البلاد، والتي وصلت على مقربة من قلعة الأسد العلوية في اللاذقية. الشراكة الروسية - الإيرانية مع الأسد، عمّقت فقط الطبيعة الطائفية للحرب.

وفي الوقت نفسه، فإن استراتيجية الولايات المتحدة في سورية ضعيفة جدا (وتنفيذها تنقصه الكفاءة لذلك، كما كانت عليه الحال في أسوأ أيام "المنطقة الخضراء" داخل العاصمة العراقية) .

وتبدو سورية على نحو متزايد وكأنها واحدة من الحبكات في كتب مؤلفة الروايات البوليسية البريطانية، أجاثا كريستي، حيث كل شخصية فيها لها يد في الجريمة.

"الإنتفاضة السورية": من الاحتجاج السلمي إلى الحرب

وبعد أن يستعيد الكاتب اغناشيوس الأسباب التاريخية والموضوعية للانتفاضة السورية التي اندلعت في العام 2011، حتى يصل إلى لحظة "تم فيها ذبح المدنيين. ولتبدأ بعدها الثورة"، يتوقف عند "كيفية تقديم هذه الثورة غير المنظمة كفريسة للمتطرفين"، ليلاحظ ما يلي:

أولا: الافتقار إلى قيادة تنظيمية تبدأ من الجوامع الصغيرة التي كانت مراكز انطلاق المحتجين في المناطق البعيدة. فجماعة "الإخوان المسلمين"، التي دمّرها حافظ الأسد في عام 1982، كان يمكن لها بحسب طريقة بنائها المنضبطة أن توفر فرصة للمعارضة المعتدلة.

ثانيا: كما هي الحال في العراق، فالثورة وصلت إلى بلاد صارت فريسة الانقسامات الطائفية العميقة. فالسنة الأغلبية الذين يشعرون أنهم رمز "العروبة" صاروا محتقرين من قبل النظام الذي يقوده العلويون الأقلية. وفي ضوء هذه التوترات، تجمعت الأقليات السورية معا وراء النظام.

بسبب سوء تنظيم المعارضة، والطابع الطائفي في المجتمع السوري، أصبحت المعارضة السنية أكثر تشددا وعنفا. في تشرين الأول/أكتوبر 2012، وكنت قد سافرت إلى داخل سورية ليومين وذلك بمساعدة من الجيش السوري الحر، وجدت ثلاث قضايا أساسية:

أولا، ليس هناك للمتمردين ما يكفي من الأسلحة لهزيمة قوات الأسد. وكل السوريين تقريبا الذين تحدثت إليهم يعتقدون أن هذا هو خطأ أميركا.

ثانيا، قادة الجيش السوري الحر يحاولون ممارسة أفضل القيادة والسيطرة على ما كان، قوى غير منظمة.

وثالثا، في هذه المعركة الفوضوية ونقص الموارد وقوة الجهاديين السلفيين، بدا واضحا أن الولايات المتحدة غائبة عن المعارضة المعتدلة، وأن هذه المشاكل ستزداد سوءا.

تدريب أميركي سري بمساعدة أردنية

ويكشف اغناشيوس عن كيفية بدء "برنامج التدريب السري الذي نفذته وكالة المخابرات المركزية الأميركية في عام 2013 وبالتعاون مع المخابرات العامة الأردنية. وحققت الوكالة بعض النجاح في بناء "الجبهة الجنوبية"، ولكن سياسة الولايات المتحدة والأردن كانت مع ضبط حركة أي معارضة قد تؤدي الى إسقاط الأسد قبل الأوان، وقبل معرفة واضحة بخليفته.

ومع فقدان الشارع السوري الثقة في "الجيش السوري الحر"، حيث العديد من قادته لم يكونوا منضبطين وتم تدريب مقاتليه على نحو رديء، ومع هيكل فضفاض فاقد القدرة على القيادة والسيطرة، صار سؤال كل سوري للمعارضة "هل ستحقق لنا الفوضى أم النظام"؟

برنامج الولايات المتحدة لدعم هذه المجموعات السورية المعارضة أثبت فشلا ذريعا. فلا تخطيط حول كيفية قيام القوة المدعومة من الولايات المتحدة بالعمل على أرض الواقع، والنظام المعتمد لفحص المجندين كان غير عملي، فضلا عن غياب أي معلومات تتعلق بهجوم "جبهة النصرة" على من دربتهم أميركا. وهو ما بدا وكأنه إعادة غير مدروسة من قبل بعض المسؤولين في البنتاغون لعملية "خليج الخنازير" الفاشلة في كوبا عام 1961... وبالنسبة لي، فإن الجهود الفاشلة كشفت كل التناقضات والشكوك في سياسات الولايات المتحدة.

*الصورة: طفل يقف على ركام بنايات تهدمت بقنابل نظام الأسد في دوما/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: