بقلم علي عبد الأمير:
في بحث جديد على ضوء الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، يرى الكاتب والباحث الأميركي وليم ماكنتس، أنّ "الدولة الإسلامية وعلى مدى الأسبوعين الماضيين ظهرت بوصفها الأكثر عدوانية في العالم"، فقام أعضاؤها بتنفيذ هجمات متطورة ضد اثنتين من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: فرنسا وروسيا.
وكانت باريس شهدت أسوأ هجوم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما كان إسقاط طائرة روسية بعد إقلاعها من مدينة شرم الشيخ يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واحداً من أسوأ الهجمات الإرهابية على المدنيين الروس منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. كذلك كانت هناك تفجيرات انتحارية في بيروت يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر، أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين.
وبحسب ماكنتس الذي وضع كتاباً أساسياً في فهم "داعش"، فإنّ التنظيم بدا "دولة فعلية"، وليس مجرد جماعة إرهابية أو تمرد. "نمت في القوة، وبدت شبه دولة"، يقول لا بل يجزم بأن التنظيم وبغض النظر عن المصطلحات، هو أكثر بكثير من مجرد جماعة متمردة. فله الآن الملايين من الدولارات تحت تصرفه لتمويل مغامراته العسكرية في الداخل والخارج. ويعتبر أنّه "برغم التزام "الدولة الإسلامية" أيديولوجية جهادية عالمية لتنظيم "القاعدة" الذي يحث على تنفيذ هجمات ضد الغرب، إلّا أنّها أنفقت معظم أموالها على بناء الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع توقف في بعض الأحيان لترويع الجيران مثل تركيا والسعودية".
ويحذر ماكنتس من أنّه "إذا كانت الدولة الإسلامية قد بدأت بالإنفاق على العمليات الخارجية، كما تشير الهجمات الأخيرة، فإن لهذا احتمالات مخيفة. فخزانتها تضم ثروة دولة، وطموح قوة إمبريالية. إنّها تنظيم القاعدة بضمير أقل، لكن بالمزيد من القوى العاملة، والمزيد من المال".
ماذا تحقق هذه الاعتداءات الواسعة؟
ويطرح الباحث فرضيات عدة ضمن الجواب على سؤال عن "ما تأمل الدولة الإسلامية تحقيقه من هذه الهجمات"، فإذا كانت تهتم بالاستمرار في السيطرة على أراضيها، فهي فكرة سيئة لاستعداء أطراف أقوى (روسيا مثلاً)، لكن ربما تعتقد أنها ستردع مزيداً من الهجمات على أراضيها، أو ربما تريد تسجيل انتصارات دعائية لكسب المزيد من المجندين؟
ويلاحق الباحث الأميركي ما يسمّيه "الاستراتيجية المفضلة لدى الدولة الإسلامية"، ألا وهي "مهاجمة المدنيين في أراضي العدو لردع حكوماتهم عن التدخل في مشاريع بناء الدولة الجهادية أو دفعهم إلى المبالغة في رد الفعل"، ودائماً بحسب مبدأ "يمكن فيه للجهاديين محاربة النار بالنار"، أو استخدام العنف لإخافة الناس العاديين وتحقيق الطاعة عبر ذلك.
والآن وبعد أن قررت الدولة الإسلامية إرهاب أعدائها البعيدين فكيف يجب أن يكون رد فعلهم؟
وفي باب مناقشة السؤال، يرى ويليام ماكنتس أن "سياسات المجتمع الدولي المعتادة للتعامل مع دول راعية للإرهاب لا تعمل في حالة الدولة الإسلامية. فهي ليست جزءاً من النظام الدولي، كما أن الحظر التجاري أو تجميد الحسابات المصرفية، والذي كان فعالاً ضد ليبيا، ليس خياراً قابلاً للتطبيق هنا. وفرض حظر على مبيعات الأسلحة لا يهم، فالدولة الإسلامية سوف تستمر في الحصول على الأسلحة من أعدائها أو شرائها من السوق السوداء".
"بادئ ذي بدء، يجب على الأعداء البعيدين للدولة الإسلامية أن يقرروا ما هو هدفهم في هذه المعركة؟ هل ستكون مثل غيرها من المعارك مع الدول المارقة التي يمكن احتواؤها أو حتى تدميرها؟ الاحتواء يترك الدولة سليمة، لكنّه يضعف قدرتها على العمل خارج حدودها. تدمير الدولة المارقة تماماً قد يعني التخلص من المشكلة، لكن كما رأينا على مدى العقد الماضي في العراق، فإن ما يأتي بعد ذلك قد يكون أسوأ".
وحتى الآن، اختارت الولايات المتحدة وحلفاؤها شيئاً هو بين الاحتواء والتدمير. إنه أقرب إلى أن يكون "الخنق"، عبر العمل مع خليط من الميليشيات المحلية في سورية والعراق، وتكوين حلفاء يضيّقون الخناق حول رقبة الدولة الإسلامية، في غرب العراق وشرق سورية. لقد كانت عملية بطيئة ومؤلمة، لكنها قدمت النتائج التالية: فقدت الدولة الإسلامية ربع أراضيها خلال العام الماضي.
وحين يستدرك ماكنتس أن "الهجمات على المدنيين، مثل تلك التي رأيناها في باريس، قد صُمّمت لإجبار الحكومات على تغيير جذري في سياساتها إما بسرعة، كما فعل الرئيس رونالد ريغان في لبنان بعد تفجير ثكنات المارينز والسفارة الأميركية عام 1983 حين قرر مغادرة لبنان على الفور، أو بالمبالغة في ردة الفعل مع عرض كبير للقوة". يضيف أنّه "قبل الرد على الهجمات الأخيرة للدولة الإسلامية، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها التفكير في الأسس الموضوعية للسياسة الحالية وسلبيات البدائل قبل أن يغيّروا اتجاههم".
ربّ ضارة نافعة؟
وقد يبدو المثل العربي الشائع "رب ضارة نافعة"، هو ما قصده الباحث الأميركي بقوله إنّ "إحدى النتائج الإيجابية من هجمات الدولة الإسلامية قد تكون التغيير في موقف روسيا. فحتى الآن، لم تكن الدولة الإسلامية ضمن أولويات الغارات الجوية الروسية، وفضلت موسكو بدلاً من ذلك تدمير مواقع المتمردين التي تشكل تهديداً مباشراً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وإذا باتت روسيا أكثر جدية في تدمير الدولة الإسلامية، وإيجاد وسيلة لتسريع رحيل الأسد، فإنّ الدولة الإسلامية قد قامت بفعل لصالح العالم".
إن "نهاية قريبة لهجمات الدولة الإسلامية في الخارج غير مضمونة"، هذا ما يتوصل إليه الباحث، لكنّه ينهي بالقول "قد تكون الهجمات الأخيرة للدولة الإسلامية حفّزت أخيراً المجتمع الدولي إلى العمل من أجل منع المزيد من الفظائع كالتي شهدتها باريس. ونتيجة لعمل دولي أكثر تضافراً، فإن من المحتمل أن تشهد الدولة الإسلامية انهياراً بطيئًا"، فهي تظل مجموعة مسلحة تسعى إلى أن تكون "دولة تستخدم الإرهاب كأداة للسياسة الخارجية".
الصورة: حالة هلع في باريس بعد التفجيرات الأخيرة/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659