بقلم علي عبد الأمير:
يتوقف الباحث والكاتب العراقي المقيم في باريس، د. جواد بشارة، عند مجموعة من الحقائق الصادمة التي سبقت إعلان تنظيم داعش ما اعتبره "الدولة الإسلامية"، والعمليات العسكرية التي أدّت إلى ذلك، فضلاً عن الوقائع التي فرضها لاحقاً ومنها وصول خطره إلى قلب العالم الغربي، وتنفيذه عدداً من الاعتداءات المنظمة في باريس. وفي قراءة تحليلية خصّ بها موقع (إرفع صوتك)، يتوقف بشارة عند المؤشرات التاريخية:
*تنظر الرؤية الداعشية إلى الحدود القائمة بين الدول العربية والإسلامية بكونها زائفة فرضها المستعمرون الغربيون في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والمعدلة بمعاهدة لوزان سنة 1923.
*في الوقت الذي لوّح فيه البريطانيون من خلال مخابراتهم وعميلهم المدعو لورنس العرب بأوهام "المملكة العربية" وإسناد زعامتها للهاشميين، كان العملاء الخاصون في حكومة الهند البريطانية من أمثال سان جون فيلبي يدعمون عسكرياً ومالياً عبد العزيز بن سعود ملك نجد ومجموعة الإسلام السلفي.
*قام الزعيم العلماني التركي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية وتأسيس جمهورية حديثة. لذلك لا غرابة أن يعلن زعيم تنظيم داعش في الرابع من تموز/يوليو 2014 من على منبر "جامع النور" في الموصل في العراق إعادة إقامة "دولة الخلافة"، مما يعني ضمناً إنهاء التقسيم الاستعماري القسري للمنطقة وإنهاء الحدود القائمة التي خطت في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
تحالف البعث والسلفية
*في آذار/مارس 2003 قبل سقوط نظام صدام حسين ببضعة أسابيع، باح أحد كبار المسؤولين في المخابرات العراقية لأحد الصحافيين الأجانب بأنّ النظام بصدد تنظيم مقاومة مسلحة طويلة الأمد، وستكون إسلامية الطابع لكسب التعاطف والشرعية في العالم العربي والإسلامي، وإنّهم (أيّ نظام صدام حسين) سوف يقومون برفع الغطاء عن قدر الضغط الشرق أوسطي الذي يهمين عليه الغربيون منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية.
*خطط نظام صدام حسين للمواجهة المسلحة السرية، واستقدم الكثير من المتطوعين العرب والمسلمين وعدد من مقاتلي تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ووزّعهم على مناطق عدة، ووفّر لهم الأموال والأسلحة والذخيرة التي دفنت في أماكن متفرقة ومعلومة للكثير منهم، وكانوا مقسمين إلى ثلاث مجموعات رئيسية وهي:
1- "المجاهدون" وأغلبهم من العراقيين من أنصار النظام السابق وجيش القدس والمخابرات وفدائيي صدام.
2- "الأنصار" وأغلبهم من البعثيين غير العراقيين والمتطوعين العرب، وكانوا منظمين قبل السقوط بفترة طويلة ويعيشون في بيوت وأوكار سرية.
3- "المهاجرون" ويقودهم عسكريون من عتاة البعثيين المخضرمين وذوي الخبرة وكذلك مسؤولون بعثيون معروفون بكفاءتهم وخبرتهم في المجالات العسكرية والتخريبية ومن أصحاب المهارات التقنية والعسكرية الذين من مهامهم قيادة وتوجيه الانتحاريين.
*قام نظام صدام بتمويل عدد من التنظيمات الإرهابية وبعض التنظيمات الفلسطينية المسلحة الموالية له، وتنظيمات تتمركز في الباكستان، وشجعها على التقارب من تنظيم "القاعدة" وتقوية شوكته. وكان من بينها، تنظيم أبو مصعب الزرقاوي الذي كان مستقلاً عن بن لادن في ذلك الوقت، وانضم إليه فيما بعد في العراق بعد السقوط بأشهر قليلة.
*أقام نظام صدام حسين معسكرات تدريب سرية للمقاتلين العرب والمسلمين المتطوعين لمحاربة الأميركيين قبل السقوط في مناطق عدة من العراق وحتى بالقرب من بغداد. وأنشأ شبكة لإسناد تلك العناصر والقوى المسلحة مالياً ولوجستياً باشرت عملها بعد التاسع من نيسان/ابريل 2003.
*كانت هناك مجموعات إرهابية منظمة، صارت تعمل باستقلالية نسبية لكسب المزيد من الشهرة، مثل "التوحيد والجهاد" بزعامة الزرقاوي، الذي تحالف مع جماعة "النقشبندية" وفلول حزب البعث المنحل بقيادة عزت الدوري، وجماعة "كتائب ثورة العشرين" بزعامة حارث الضاري، وهو ما أوجد الأساس المادي والمعنوي لقيام كيان إرهابي اسمه "دولة العراق الإسلامية".
*بعد سيطرته على الموصل وصلاح الدين وأجزاء من ديالى والأنبار، تجاوز تنظيم داعش الدور المحدد له في العملية، واستولى على كل شيء وهاجم كردستان وقام بعمليات التطهير العرقي والديني، بل عاقب حتّى عناصر من البعث ممن رفضوا الانصياع لأوامر التنظيم وإملاءاته.
العالم في مواجهة داعش: صدام سريع أم مناورة؟
ويثير بشارة في نهاية مداخلته الاسئلة والمحاور التالية:
*باتت "الدولة الإسلامية" في العراق والشام، أو داعش، حقيقة يعرفها الجميع ويرهبها الرأي العام العالمي وتسيطر على أراضي أوسع من مساحة بريطانيا، تمتد من غرب العراق إلى شمال سورية وشرقها، وتمتلك موارد مالية ونفطية، ولديها إدارة مدنية وجيش من المقاتلين وحرس حدود، وجمارك، وتتحكم بثمانية ملايين نسمة.
*هل سيتساهل المجتمع الدولي مع هذا الوباء ويتأقلم معه، أم سيعمل على إنهاء وجوده وإبادته؟
*هل سيكتفي العالم بطرد التنظيم من العراق وتركه يتصرف بحرية في سورية لاعتبارات سياسية وإستراتيجية غربية بحتة بالتواطؤ مع أنظمة الخليج التي تريد بأي ثمن الإطاحة بنظام بشار الأسد حتى لو كان البديل دولة داعش الإسلاموية؟
وبحسب تبعات الاحتمال الأخير ضمن القراءة التاريخية التي قدمها الباحث جواد بشارة، فإنّ قبولاً دولياً بـ"دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم داعش، يبدو أمراً مستبعداً، مع ترقب واسع في المنطقة والعالم لتوجه دولي في الحرب على داعش، بات واسعاً بدخول التنسيق بين أميركا وروسيا عبر جسر أوروبي تمثله فرنسا، وشرق أوسطي تمثله ايران، إلى مديات واسعة قد تغير الوضع المتفجر في سورية والعراق، وبالتالي نزع الفتيل الذي فجّر قنبلة اسمها "داعش".
* الصورة:حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول/وكالة الصحافة الفرنسية
*يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659