بقلم سناء العاجي:
كيف نجحنا في أن نعطي هذه الصورة البشعة عنّا عبر العالم؟
كيف أصبح العرب والمسلمون اليوم مرادفاً للعنف والإرهاب والهمجية والتخريب؟
كيف تعتبر بعض الحركات المتطرفة أنّها تدافع عن الإسلام في حين أنها تنشر عنه أبشع وأسوأ الصور؟
كل محاولة لإبعاد الشبهة هي تثبيت لها...
كفانا كذباً على الذات. كفانا ادعاءً أنّ تنظيم داعش لا يمثل الإسلام. لتكن لدينا الشجاعة لنعترف بأنّه، شئنا أم أبينا، مرتبط بالإسلام والمسلمين. مرتبط بنا. بهويتنا... قد نرفضهم في الخطابات... قد ننبذ (بعض) أفعالهم كما يفعل الكثيرون... لكنهم ينتسبون لنا. ينتسبون لقراءة معينة للدين. صورتهم تمسّنا. صورتنا مرتبطة بهم.
منذ عقود، وقراءات معينة للنص القرآني تُنمّي التطرف بيننا. تجعل المختلفَ مستحقاَ للقتل. اليهودي والمسيحي والملحد والعلماني والشيعي... كل هؤلاء يستحقون القتل لأنهم لا يتوافقون مع ما حدده الشيوخ كشروط للإسلام. فكيف نتساءل بعدها عن أسباب العنف؟ وكيف ندعي بأن داعش لا يمثلنا؟ ماذا عن شرائط شيوخ الفضائيات الدينية الذين يُثَمّنون الجهاد ويعتبرون "سفك الدفاء وسحق الجماجم وتقطيع الأجزاء شرفٌ للمؤمن" (الكلام للعريفي بصورته وصوته)؟ شيوخنا الذين يَعِدون المؤمن الحق بـ 16 ألف و900 حورية غير زوجاته الأربع، نكاح كل منهن يدوم 70 سنة، محولين بذلك الجنة إلى فضاء جنسي محض تبنيه الاستيهامات المرضية للبعض (الكلام للشيخ محمد علي الشنقيطي بصوته وصورته)؟ وشيخ الحرم المكي الذي يدعو الله، من قلب مكة، لنصرة المجاهدين في كل مكان، ويعتبرُ الشيعة واليهود والمسيحيين كفاراً يستحقون الجهاد؟
مناهجنا التعليمية التي تعلم الأطفال والراشدين بأن الإسلام هو الدين الحقيقي الوحيد وما دونه محَرّف؟ كتبنا ومقرراتنا ومساجدنا وبرامجنا التي تنمي الحقد بين السنة والشيعة؟
المثير للسخرية أننا ندعو لحوار الأديان ونتبجح بالتسامح مع مختلف الديانات، ونحن غير متسامحين مع بعضنا، من قلب نفس الدين، بين سنة وشيعة.
لنَصدُق أنفسَنا، سنةً وشيعةً: أليس بيننا الكثيرون ممن يكفرون المذهب الآخر؟ فعن أي تسامح نتحدث؟ اللهم إن كنا نقصد تسامحَ الخطابات.
لكن الإشكال ليس في داعش كانتماء إرهابي فعلي. الإشكال للأسف مرتبط بكل الدواعش المتخفين الذين يعيشون بيننا: الطلبة، المحامون، ربات البيوت، العمال... كل أولئك الذين لا يقتلون ولا يفجرون، لكنهم يفرحون في دواخلهم حين يكون الضحية "عدواً" أو "كافراً"...
كل هؤلاء الذين يبررون بشكل ضمني ما يفعله داعش، حين تمس هجماته من يُعتبر كافراً، نَشتمّ رائحة الشماتة من التعليقات وتنتعش نظرية المؤامرة...
أليس في تبرير القتل قتلاً من نوع آخر؟
أليس في الفرحة، ولو المستترة، بقتل من نعتبره كافراً إمبريالياً ظالماً، تشجيعاً على قتل آخرين لا يروقون لتصورنا للعالم وللدين؟
قليلون فقط من هم قادرون على مراجعة ونقد الذات.
لكن لا... ليس هناك شيء يمكن أن يبرر القتل والهمجية. وكما كتب مجموعة من الزملاء الإعلاميين في المغرب: لنتوقف عن الكذب على الذات باسم العروبة والإسلام.
داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة لا تدافع عن فلسطين، لأنها لا توجه ضرباتها لإسرائيل. وهي لا تدافع عن الأبرياء العراقيين والسوريين لأنّ هذه الجماعات كانت أول من زج أعناقهم وأحرقهم وسبى نساءهم.
ثم، وإلى جانب ذلك، فأن نتضامن مع ضحايا باريس لا يمنعنا من التضامن مع ضحايا العراق وسورية وفلسطين ومالي وغيرهم، والعكس صحيح. العراقي والسوري والفسلطيني لا يتسحقون منا تضامناً أكبر ولا أقل من الضحايا في باريس أو مدريد أو بيروت أو غيرها... ليست هناك ضحية أرخص أو أغلى. ليست هناك ضحية أهم من غيرها. وأن نحاول تبرير الإرهاب، ولو عن حسن نية، معناه أننا نساهم فيه.
قلتها وأقولها وسأقولها: أتضامن مع ضحايا الاحتلال الإسرائيلي، ومع الضحايا في العراق وسورية، لكن ليس من مبدأ العروبة ولا من باب الإسلام؛ لأن هذا ظلم في حق الفلسطينيين والعراقيين والسوريين أنفسهم. نحن حينها نحْرُم قضايا إنسانية عادلة من تضامن واسع خارج ما نسميه العالم الإسلامي والعربي. أكبرُ ظلم نوجهه للفسلطينيين والعراقيين والسوريين هو أن نتبنى قضيتهم باسم العروبة والإسلام. العراقي والسوري والمالي والنيجيري، تماماً كما المدريدي والباريسي والأمريكي، يتسحقون تضامننا حين يكونون ضحايا الهمجية، لأن التضامن هو أولاً مع الإنسانية وضد الظلم، مهما كانت الضحية.
لا انتقائية في قيم حقوق الإنسان. إما أن تكون مع الإنسانية أو تكون مع الظلم.
حين تبرر العنف لأن الضحية لا تعجبك، فما الذي يفرقك عن داعش؟ وحين تتضامن مع العراق وسورية ولبنان وفلسطين من مبدأ "نحن عرب ومسلمون"، أود أن أذكرك أولاً أنّهم ليسوا جميعهم مسلمين ولا جميعهم عرب. وأود أن أثير انتباهك ثانياً إلى أن هذا بالضبط هو منطق داعش: الوحدة باسم الدين.
لمتابعة منشورات الكاتبة على “تويتر”، إضغط هنا.
سناء العاجي كاتبة وإعلامية مغربية. تخصصت في علم الاجتماع بجامعة سان دوني الباريسية. اشتغلت في منابر صحافية وإخبارية في المغرب والخارج، باللغتين العربية والفرنسية. لها رواية "مجنونة يوسف" صدرت سنة 2003، كما ساهمت في كتاب مشترك عنوانه "رسائل إلى شاب مغربي".
*الصورة للكاتبة سناء العاجي.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659