بقلم علي عبد الأمير:

في الشهر الماضي، وجّهت الطائرات الحربية الأميركية ضربات جوية ضد حقول النفط والمصافي ومئات الشاحنات الناقلة بالقرب من مدينة دير الزور السورية، ضمن عملية حملت اسم "الموجة العارمة 2". وكانت الهجمات هي أحدث مرحلة في حملة سعت إلى حرمان "الدولة الإسلامية" من مواردها ودفعها إلى الإفلاس، عبر ضرب قلب اقتصاد السوق السوداء الذي يعتمده تنظيم "داعش" لتهريب النفط في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، فضلاً عن النظام الضريبي الذي يوفر رواتب عشرات الآلاف من المقاتلين المتطرفين.

لكن بحسب دراسة تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فقد ثبت أنّ هناك مرونة لدى "الدولة الإسلامية" وقدرة على تطوير اقتصاد متنوع لتمويل تكاليف "الخلافة". فوفقاً لدراسة "طومسون- رويترز" عام 2014، فإنّ المجموعة الإرهابية لديها أكثر من 2 تريليون (الترليون يعادل ألف مليار) دولار أميركي هي قيمة الموارد (النفط والمعادن) والأصول المالية الخاضعة لسيطرتها، مع دخل سنوي من 2.9 مليار دولار أميركي.

ويتم تحصيل جزء كبير من هذه الأموال من خلال "الضرائب" المفروضة من قبل التنظيم المتشدد على العمليات الاقتصادية التي تتم داخل أراضيه، فضلاً عن عوائد الاتجار بالآثار المنهوبة والأموال التي يدفعها غير المسلمين والمعروفة باسم الجزية. لكن هانز جاكوب شندلر، القائم بأعمال منسق مجموعة مجلس الأمن للأمم المتحدة التي تراقب تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية وحركة طالبان، وغيرها من الجماعات الإرهابية ، يقول "يسمونها الضرائب، لكننا نسميها الابتزاز"، مستدركاً إنّ "الوضع العام لداعش بقدر ما يتعلق بالتمويل، لم يتقلص إلى حد كبير. الوضع بالنسبة لهم يشبه البالون: يمكنك الضغط على جانب ما، فيحصل ارتفاع على الجانب الآخر".

النفط الذي يبيعه تنظيم "داعش" أصبح المورد الثاني بعد الضرائب والغرامات، وذلك بسبب الغارات الجوية التي استهدفت منشآت النفط في كل من العراق وسورية.

فهذه المناطق هي التي تمنحه القدرة على مراكمة المال بطريقة جعلته من أكثر الجماعات الإرهابية ثراء في التاريخ. فبعد أن تقدّم بشكل صاعق من مناطق سورية إلى الموصل في حزيران/يونيو ووصل قريباً من أطراف العاصمة العراقية بغداد، قام مقاتلوه بالسيطرة على مصرف الموصل وأخذوا منه 425 مليون دولار أميركي. وسيطر التنظيم على مناطق ذات خصوبة زراعية عالية وفيها صناعات ثقيلة. ولفت تقرير "رويترز" في تشرين الأول/أكتوبر 2014 إلى 13 حقلاً نفطياً وقعوا تحت سيطرة التنظيم وثلاث مصافٍ وخمسة مصانع للإسمنت وعدد كبير من صوامع القمح ومناجم استخراج الملح.

وتقول اليزابيث روزنبرغ، وهي خبيرة العقوبات في مركز الأمن الأميركي الجديد إنّ "العقوبات الاقتصادية التقليدية التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية ليست فعالة ضد "الدولة الإسلامية" لأن المتشددين ليس لديهم نظام مصرفي تقليدي يمكن أن يستهدف".

وفي حين يبدو من الثابت أنّ معظم أموال "داعش" تأتي من حقول النفط في سورية والعراق. لكن التنظيم لديه أيضاً "مجموعة من الأنشطة لزيادة الإيرادات الأخرى، منها على سبيل المثال، التجارة في التحف الدينية والثقافية الصغيرة التي يمكن أن تجد إقبالاً واسعاً في السوق السوداء الدولي". فيقول محمد علي الحكيم، سفير العراق لدى الأمم المتحدة، إن " تنظيم "الدولة الإسلامية" يكسب ما يصل إلى 100 مليون دولار سنوياً في تجارة القطع الأثرية غير المشروعة".

وفي أيار/مايو الماضي، استولت قوات العمليات الخاصة الأميركية على كثير من التحف القديمة خلال غارة على منزل (أبو سياف)، وهو زعيم بارز أشرف على مبيعات النفط  في "داعش".

وقُتل أبو سياف نفسه في الغارة، لكن زوجته وهي في السجون العراقية منذ ذلك الحين قدمت معلومات استخباراتية قيمة عن الهيكلية المالية لداعش.

الرئيس الأميركي باراك أوباما عقد مؤخراً اجتماعين رفيعي المستوى أكّدا على أولوية ضرب الهيكل المالي لداعش، مما أطلق العنان لموجة جديدة من الضربات على شريان حياة التنظيم، والبنية التحتية للنفط، وتدمير مئات شاحنات الناقلة للنفط والآبار والمصافي.

*الصورة: منشأة للنفط في مدينة الرميلان السورية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: