مشاركة من صديق (إرفع صوتك) معتزغازي العطين:
أرسل الصديق معتز غازي العطين، وهو مهندس وكاتب وناشط شبابي من الأردن وأحد متابعي موقع (إرفع صوتك) هذه الرسالة. وطلب مشاركتها مع جميع المتابعين:
المتتبع جيداً لحالة التطرف التي تعاني منها دول المنطقة يدرك تماما مدى الخطر المحدق بالمنطقة والعالم أجمع. والقارئ الجيد للمشهد من حيث العودة لأسباب هكذا تطرف على مر العقود الماضية هي التربة الخصبة لظهور هكذا حالة.
فالجميع على قناعة أن حالة التطرف لم تأت من فراغ، بقدر ماهي ترجمة واضحة للانغلاق والتهميش وعدم تقبل الآخر وعدم احترام التعددية والتنوع الذي تعيشه منطقتنا وأيضا الانحدار الاقتصادي الذي تمر به دول المنطقة، من تضخم نسبة الفقر والبطالة وضعف الثقة بين الشعوب والحكومات. كل ذلك كان تربة خصبة لانحراف ديني وعقائدي وأخلاقي بسبب ما تعانيه الأجيال من نقص ثقافي حاد، مما شجع التطرف لسد هذا النقص في ظل ظروف اقتصادية سيئة وإحباط وظلم وقهر.
هنالك العديد من حالات التطرف على كل مستويات حياتنا، سواء ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية وحتى تربوية. وهذا التطرف الذي وصل لكل المستويات كان سببه الرئيس هو الغزو التكنولوجي غير المدروس للمنطقة والمفتوح بشكل قد لا يتيح لأي طرف السيطرة عليه، مما أتاح للعديد ممارسات شتى في ظل عدم وجود وسط محصن بثقافة دينية أو اجتماعية أو تربوية. فكان الجيل الشاب (أو العدد الأكبر) منسلخا كليا عن كل أبعاد هويته الثقافية والوطنية والاجتماعية وعدم وجود مرجعيات (تتمتع) بثقة شعبية لتوعية وتقديم النصح.
إن علاج (هذه) المشكلة من وجهة نظري البسيطة قد لا يكون عسكريا بقدر ما هو فكري. فالفكرة لا تواجه إلا بفكرة والكلمة في وقتنا هذا أقوى من السلاح، خاصة في ظل ما ذكرته سالفا من نقص فكري وثقافي وغزو تكنولوجي. والعلاج بالفكرة أو الكلمة يتطلب عملا متزناً وخططا فعّالة تنطبق مع الواقع... تحلل وتدرس مواطن الخلل واسبابها الحقيقية ثم حلول لها وبشكل متواز ومتزن لكل الجوانب دون إهمال أي جانب بحيث لا يطغى جانب على آخر.
(الآلية):
- * إعادة النظر بالمنظومات التربوية - لأن بناء العقول والأجيال تبدأ منها فهي نقطة التمركز للبناء.
- * إعادة النظر بكيفية وآلية نشر ثقافة دينية حقيقية متزنة وسطية بدءا من اختيار أئمة مساجد أصحاب علم ديني حقيقي وكفاءة عالية.
- * إعادة النظر بكيفية توعية الأسر بدءا من توعية الأهل وتعليمهم كيفية التعامل مع الأبناء.
- * وأهمها برأيي إعادة النظر بالأطر الشبابية أو المؤسسات التي تعنى بالشباب بدءا من إيجاد إطار شبابي ينظم عمل الشباب ويعمل على سد النقص الحاصل بالتنمية الفكرية من خلال توعية الأجيال بثقافتهم وأساليب الحياة التي تضمن احترام الآخر بغض النظر عن خلفيتيه الأيديولوجية واحترام التنوع والتعدد وإيجاد نهضة فكرية في التربية الوطنية والإبداع والابتكار، بحيث يصل الشباب لحالة إدراك أنهم أصحاب رسالة بناء وأنهم مشتركون بصناعة مستقبلهم وأنهم جزء أساس في التنمية الوطنية ولا يكون ذلك بتقزيم العمل الشبابي واقتصاره على جزء بحد ذاته.
وللأسف، إن ما نعانيه الآن هو حالة التقزيم لدور الشباب وتحجيم طاقاتهم وإبداعاتهم من خلال تأطير دورهم في العمل الاجتماعي والتطوعي فقط. وأنا لا أنكر دور العمل التطوعي ومدى أهميته، ولكن أن يتم اقتصار دورهم على هذا الجانب باعتقادي لن يستطيع خلق حالة اجتماعية شبابية ناضجة في كل المجالات. مع العلم أن المؤسسات الشبابية قد تملأ كل مكان ولكن أغلب - ولا أقول كلها - الموجودة على الساحة تعنى بالعمل التطوعي، مُهمشين بذلك العمل الشبابي السياسي و الثقافي والاقتصادي.
لكن حقيقةً نحن بحاجة للإطار الذي يركز على مواطن الخلل ويصحح المسار للشباب فيحتضنهم ويحتضن إبداعاتهم من خلال عمل منظم في التربية الديموقراطية والمدنية والتركيز على نشر ثقافة الحوار وعدم الإقصاء أو التهميش و (فكرة) أن تقبّلك للآخر سينعكس إيجابا على ثقافة الأجيال أولا ومن ثم على التقدم الذي سيلامس حياة كل شخص. فلكل الأطراف الحق في ممارسة دورها في صناعة مستقبلها. وليكون احترام التعددية والتنوع هو شعار هذا الإطار الذي نحتاجه لاستقطاب الشباب وتشجيعهم وخلق حالة من الوعي الوطني الناضج الذي يؤسس ويبني ويعزز منجزاته باحترامه لعمل الآخر والبناء عليه. فالتهميش والاقصاء هو من أخرج ترسبات هذا الفقر الثقافي من خلال تعبئة فكرية سلبية. وأيضا على هذا الاطار أن يعنى بإيجاد حالة وعي اقتصادي من خلال دعم مشاريع شبابية اقتصادية لتقليص نسبة الفقر والبطالة التي تشكل عائقا أساسيا في وجه الإبداع والمشاركة في الحياة المدنية بنشاط. وأيضا يجب أن يدعم هذا الإطار فكرة أن يكون الشباب هم أساس في صنع القرار من خلال المطالبة (بسن) قوانين انتخابية تسمح بإشراكهم في صناعة مستقبلهم ليشعروا بالأهمية ويفتح أمامهم المجال لتطوير أنفسهم لتعود ثقتهم بأنهم جزء أصيل من المجتمع وهم بناته.
الشباب هم المعول الأساسي للبناء. إذا تم العمل عليهم وتوعيتهم وبناءهم بناءً سليما من خلال (مطابقة) الحديث مع الواقع، (بمعنى أن) الشباب لا يريدون سماع جعجعة ولا يرون طحينا، لأن ذلك سيوسع فجوة الثقة بينهم وبين حكوماتهم، مما سيتيح للتطرف (المجال) للتسلل عبرها لبث بذرة مسوسة من ماض لداحس أو قطف حاضر لغبراء.
الكاتب: المهندس معتز غازي العطين، كاتب وناشط شبابي من الأردن
للتواصل مع الكاتب: Mutazalotein@yahoo.com
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659