بقلم علي عبد الأمير:

يتوقف الكاتب كيرت آيخنوالد عند حدث شهدته بغداد في كانون الأول/ديسمبر 2008، خلال زيارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش الأخيرة الى المدينة، حين قام صحافي عراقي برمي الرئيس الضيف بالأحذية، في مشهد بث مراراً وتكراراً على شاشات التلفزة مع الكثير من التعليقات والتحليلات حول ذلك الاعتداء وما تضمنه من إهانة ضمنية، ليعرض إلى السجال الاميركي حول نشوء "داعش" ومسؤولية الانسحاب من العراق والتي يراها ساسة بارزون، كالسيناتور جون ماكين، سبباً أدى إلى ظهور التنظيم الإرهابي.

ويبدو اختيار حدث الاعتداء على الرئيس بوش في بغداد مناسباً للإشارة إلى أنه في ذلك اليوم الذي "هزّ العالم"، وقّع بوش إتفاقية لتحديد وضع القوات الأميركية في العراق، وبموجبها فإن تلك القوات ستكون بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 2011 خارج البلاد التي غزتها في العام 2003.

وبموجب الإتفاقية تلك، فقد منحت الحصانة للأميركيين حتى موعد الإنسحاب، وبموجبها لا يمكن أن يحاكم المتعاقدون مع وزارة الخارجية ووكالات أميركية أخرى بموجب القانون العراقي، وبالطبع لا يمكن محاكمة أفراد القوات الأميركية، مع احتمال إستثناء الجنود في حال ارتكابهم جرائم كبرى متعمدة خارج الخدمة.

لا حصانة للقوات الأميركية

هنا يذكّر الكاتب كيرت آيخنوالد، بمقاله في مجلة نيوزويك الأميركية برد فعل غاضب ورافض للإتفاقية من قبل كثير من العراقيين، فقد "أدان الزعماء الدينيون المسلمون الإتفاق، ونظموا إحتجاجات، لممثليهم في البرلمان،  وشعبية من قبل أتباعهم في مدينة الصدر وأنحاء بغداد، بل تظاهر الآلاف من اللاجئين العراقيين في سورية احتجاجاً على ما كان يُنظر إليه، وعلى نطاق واسع، على أنه استمرار للإحتلال الأميركي لبلادهم".

وفيما كان الموعد النهائي لانسحاب أميركا من العراق يقترب بسرعة، كانت إدارة أوباما أمضت شهراً من التفاوض على اتفاق جديد مع الحكومة العراقية على أمل تمديد الموعد النهائي. فواشنطن كانت تريد بقاء عدة آلاف من الجنود لمواصلة تدريب القوات العراقية، و"أن تتأكد من أن المكاسب الضئيلة التي أنجزت منذ بدء الحرب، لن تضيع".

وهنا يستدرك الكاتب بقوله: "لكن هذا لم يحصل. الكثير من الأميركيين، منهم السياسيون بشكل خاص يرفضون الاعتراف بحقيقة لا جدال فيها، وهي أن العراق دولة ذات سيادة، وقادتها وشعبها مسؤولون عن مصيرها. الولايات المتحدة لا تقول للعراقيين ما يجب القيام به. وما قالوه لنا هو الجحيم في حال عدم خروجكم من بلادنا".

فيتو عراقي وفق الديمقراطية الاميركية ؟

كانت هناك محاولة أخيرة لبقاء القوات الأميركية لكن العراقيين رفضوا بقوة منح الحصانة لتلك القوات، و"كانت الديمقراطية المزعجة التي جلبتها أميركا إلى العراق جزءً من المشكلة، فقد تذرع رئيس الوزراء نوري المالكي بقوله أنه لم يكن هناك ما يكفي من الأصوات في البرلمان للموافقة تقديم الحصانة، وكان ذلك أشبه بصفقة خاسرة، فكبار ضباط الجيش الأميركي لم يكونوا على استعداد للقبول أن يقف عناصرهم أمام محكمة عراقية وهم يواجهون الاتهامات، وتواصل هذا حتى وصل الموعد النهائي، وبموجب شروط الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة بوش، انسحبت أميركا من العراق".

ويرى الكاتب أنه في السنوات التي تلت ذلك، أثبت المالكي أنه زعيم طائفي، فهو مسلم شيعي، فعل كل ما في وسعه لإثارة الفتنة مع السنة فرمى بزعمائهم في السجون، وسحق حركاتهم السياسية دافعاً بقوات الأمن إلى مناطقهم السكنية، من "أجل إحياء الكراهية، وعلى مستويات قاتلة، بين السنة والشيعة".

وبعد أن يستعرض الكاتب الحرب الأهلية في سورية التي وفرت الفرصة المناسبة لانتقال العناصر الإرهابية السنية العراقية من بقايا تنظيمات القاعدة إلى البلد المجاور، ثم اكتسابها قوة كبيرة فعودتها إلى العراق في صيف 2014 عبر عدوان واسع احتلت فيه نحو ثلث البلاد، تحت إسم "الدولة الإسلامية"، يركّز آيخنوالد على ما يصفها بـ"الزمجرة الخادعة من قبل الكثير من السياسيين المحافظين الذين هم إما جهلة بالتاريخ أو على استعداد للكذب على الأميركيين" حين ينتقدون إدارة اوباما ويعزون إليها سبب نشوء "داعش" وانهيار المكتسبات في العراق، متناسين أن أمر الإنسحاب اقرّه رئيس إدارتهم (بوش) وإصرار حكومة صنعتها الديموقراطية التي حملتها واشنطن على عدم منح الحصانة للأميركيين.

*الصورة: عناصر من العشائر السنية في الأنبار/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: