متابعة علي عبد الأمير:
يضع تقرير لوكالة أنباء "أسوشيتيد برس" من مدينة غازي عنتاب التركية، عنواناً للإشارة إلى نظام الخديعة الدينية الذي يعتمده تنظيم داعش، فيكون "المعايير المزدوجة للدولة الإسلامية تزيد من خيبة الأمل". لكنه، وبحسب ما ينقل عن ضحايا وشهود عيان، يذهب إلى الحقيقة المجردة. فالتنظيم الإرهابي لم يعد متمكناً من التغطية على جرائمه حتى وإن استخدم الشريعة الإسلامية وأحكامها الفقهية ذرائع له.
التقرير ينقل عن محمد سعد، وهو ناشط سوري كان قد سجن من قبل داعش وعلّق من ذراعيه وضرب بانتظام، قوله "إنها عصابة إجرامية تتظاهر بأنها دولة"، واصفا داعش. "كل هذا الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية ومبادئها هو مجرد دعاية، فداعش هو للتعذيب والقتل".
وسعد المتحدث هو واحد من عدد من السوريين الذين هربوا مؤخراً من حكم داعش والذين يقولون إن الغضب الشعبي على التنظيم يتزايد، كما أنه فشل في أن يرقى إلى مستوى وعوده لتثبيت الحكم "الإسلامي" الموعود.
بدلاً من ذلك، فقد بدأ الكثير يشبّه التنظيم بالحكم الديكتاتوري للرئيس السوري بشار الأسد، مع الاعتماد على المخبرين من أجل إسكات الجماهير. و بدلاً من "المساواة"، شهد المجتمع صعود طبقة النخبة الجديدة - المقاتلين الجهاديين - الذين يتمتعون بالامتيازات الخاصة ويستأثرون بالمصالح عبر نفوذهم في المحاكم التي تتولى غمط حقوق "العوام"، وحتى تجاهل الفتاوى الصادرة من علماء الدين إذا ما كانت تصب في مصلحة الناس.
وعلى الرغم من الفظائع التي جعلت من داعش منظمة سيئة السمعة، فإنها أعطت الأمل للبعض عندما اجتاحت مناطقهم في أجزاء من سورية والعراق لتعلن عن "الخلافة" في صيف عام 2014. و "قدّمت نفسها على أنها نقيض لحكم الأسد، وجاءت لتحقيق العدالة من خلال تطبيقها لتفسيرها المتطرف للشريعة وتوفير الخدمات للسكان، بما في ذلك تقديم القروض للمزارعين والمياه والكهرباء، والصدقات للفقراء. وكانت آلة الدعاية الرامية إلى تعزيز حلم الخلافة الإسلامية ساعدت في جذب الجهاديين المتطوعين من جميع أنحاء العالم"، حسبما جاء في تقرير "أسوشيتيد برس".
في اسطنبول والعديد من المدن التركية بالقرب من الحدود السورية، تحدث مراسل "أسوشيتيد برس" إلى أكثر من 10 سوريين فروا من المناطق التي سيطر عليها داعش في الأشهر الأخيرة. والأكثرية منهم تحدثوا بشرط عدم تعريفهم إلا بأسمائهم الأولى أو ألقاب يستخدمونها في نشاطهم السياسي، خوفاً من أعمال انتقامية ضدهم أو عوائلهم، فقد جنّد داعش مجموعة مخبرين في البلدات والمدن التي يسيطر عليها تحسباً من أي علامة على المعارضة يبديها المواطنون. وهذا ما تلفت إليه فاطمة، البالغة من العمر 33 عاماً ومسقط رأسها مدينة تدمر التي تم الاستيلاء عليها من قبل داعش مطلع العام الماضي، ووصلت إلى تركيا في تشرين الثاني/نوفمبر مع زوجها وخمسة أطفال فراراً من الضربات الجوية الروسية والسورية. وقالت "مثلما هو الوضع تحت نظام الأسد، كنا أيضاً نخشى أن نتحدث إلى أي شخص ضد داعش".
ورغم آلة الدعاية التي وظفها التنظيم لتحسين صورته وقدراته، إلا أن الحقيقة المناقضة بدت تتكشف. فقد أصبح التنظيم أقل قدرة على تقديم الخدمات العامة، ويعود السبب في جزء كبير منه إلى الانتكاسات العسكرية التي تحوّلت إلى ضغوط على موارده المالية. فقد وجهت ضربات أميركية وروسية كبيرة للبنية التحتية النفطية التي توفر لداعش مصدراً رئيسياً للأموال.
وخلال العام الماضي، فقد التنظيم أكثر من 30 في المئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية. وقال عدد من الذين تمت مقابلتهم من قبل "أسوشيتيد برس" إن هناك انقطاعات طويلة في المياه والكهرباء في المدن والبلدات، فيما ارتفعت أسعار النفط والغاز.
يتبع الجزء الثاني من التقرير الذي يكشف جانباً من الحياة الداخلية لمجتمع المناطق التي يسيطر عليها داعش.
*الصورة: لاجئات سوريات يحملن أمتعتهن على رؤوسهن/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659