بقلم حسن عبّاس:
بعد أيام من الذكرى الخامسة للثورة التونسية، اندلعت احتجاجات بدأت في مدينة القصرين، بالقرب من الحدود الجزائرية، ثم انتقلت إلى محافظات أخرى ووصلت إلى العاصمة تونس. هذه المرّة كان العنوان الأبرز للتظاهرات المطالبة بـ"التشغيل". ولكن التونسيين لا يزالون يطالبون بأمور عدّة.
1- التشغيل
موجة الاحتجاجات الجديدة بدأت بعد مقتل الشاب رضا اليحياوي، 28 عاماً، صعقاً بالكهرباء، في 16 كانون الثاني/ يناير، خلال تظاهرة في مدينة القصرين احتجاجاً على ما قيل أنه تلاعب بقوائم توظيف في القطاع العام وسحب أسماء بعض الشباب منها.
حمل رضا شهادة مهنية في الكهرباء ولكنّه لم يكن يجد فرصة عمل. حاله كحال آلاف الشباب التونسيين. فبحسب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، هنالك 700 ألف عاطل عن العمل بينهم 250 ألفا من حملة الشهادات العليا.
وقد ارتفع معدل البطالة في تونس من 12% عام 2010 إلى 15.3% عام 2015 وذلك بسبب معدّل النمو المنخفض لإجمالي الناتج المحلي وتراجع الاستثمارات بسبب فشل السياسات الحكومية وبسبب الأوضاع الأمنية التي تمرّ بها البلاد خاصةً بعد موجة الاعتداءات التي نفذها تنظيم داعش.
بعد اندلاع الاحتجاجات، أعلن الناطق باسم الحكومة خالد شوكات عن خطة لتشغيل عاطلين عن العمل وتنفيذ مشاريع تنموية صغيرة. ولكن هذه الوعود لم تعد ترضِ الشباب التونسي لأنه يشكّك بجديتها، كما أنها لا ترقى إلى مستوى معالجة الأزمة الواسعة.
2- التنمية المتوازنة
بعد وفاة اليحياوي، قال أخوه إن إهمال الدولة لهذه المنطقة المهمشة منذ عشرات السنين هو السبب في موت أخيه.
تعاني المحافظات التونسية الداخلية من أزمة اقتصادية أحدّ من أزمة المحافظات الساحلية، إذ يزيد معدّل البطالة في مناطق الجنوب الشرقي عن 23%. وهذا الواقع قديم ولذلك كانت هذه المحافظات المكان الذي انطلقت منه الحركات الاحتجاجية الواسعة كانتفاضة الحوض المنجمي عام 2008 وثورة أواخر 2010.
يعتبر أهالي المحافظات الداخلية أن السياسات الاقتصادية الحكومية تميّز ضدهم، كون 75% من الاقتصاد التونسي يتركّز في المناطق الساحلية. وتعتبر تجارة التهريب مهنة أساسية لأبناء هذه المناطق.
وعلى سبيل المثال، ذكر تقرير للبنك الدولي أن "العديد من سكان المناطق الداخلية يشعرون أنهم منسيون من قبل الحكومة"، متحدثاً عن سوء حالة شبكة الطرقات التي تربط هذه المناطق بالساحل التونسي، وهذا أمر يؤدي إلى عدم توجّه الاستثمارات نحوها.
3- المطالبة بالحريات
تحقق تقدم كبير على صعيد الحريات بعد الثورة التونسية وصادقت الدولة على معاهدات دولية رئيسية لحقوق الإنسان، وأتى الدستور الجديد ليقرّ "حرية الضمير" لأول مرّة في العالم العربي.
ولكن ملف الحريات وحقوق الإنسان لا يزال مطروحاً بقوة في تونس. فقد وثّقت منظمة العفو الدولية وقوع عمليات تعذيب ووفيات في الحجز مشيرة إلى أن "القمع الوحشي يتصاعد في تونس".
من جانب آخر، أقرّ البرلمان قانون مكافحة الإرهاب في تموز/ يوليو 2015، وفيه يعرّف الإرهاب بشكل فضفاض ويمنح قوات الأمن سلطات مراقبة وإشراف واسعة النطاق، ويمدد الفترة التي يجوز فيها لقوات الأمن احتجاز المشتبه بهم من ستة أيام إلى 15 يوماً.
وبموجب هذا القانون، مُنعت وسائل إعلامية مستقلة من بث عدد من التقارير، وجرى التضييق على عمل الصحافيين. وتحدَّث شهود لمنظمة العفو الدولية "عن زيارات ليلية لأفراد الأمن الذين يحطمون الأبواب ويسرقون المقتنيات أحياناً، ويجعلون العمل والحياة الطبيعية لأفراد العائلات أمراً صعباً".
4- العدالة الانتقالية
بعد الثورة، أقرّ البرلمان التونسي "قانون العدالة الانتقالية"، في كانون الأول/ ديسمبر 2013. ولكن مجريات الأمور لم تسر وفق ما يشتهي التونسيون. فقد خُفّضت عقوبات كانت قد أُقرّت بحق بعض كبار المسؤولين السابقين بتهمة قتل متظاهرين خلال الثورة، وأُفرج عنهم. ولم يشهد البلد خطة حقيقية لإصلاح الأجهزة الأمنية، برغم أهمية ذلك كون هذه الأجهزة هي المسؤولة عن عمليات قمع وتعذيب خلال مرحلة النظام السابق.
وثارت ثائرة التونسيين حين اقترح رئيس الجمهورية قانون "المصالحة الاقتصادية" الذي يقضي بإسقاط التهم عن المسؤولين والموظفين العامين في الجرائم المتعلّقة بالفساد المالي، إذا أرجعوا ما سرقوه.
5- الأمن
تواجه تونس استحقاقاً خطيراً تفرضه عليها جماعات إرهابية تسيطر على بعض الجبال النائية وتتخذها منطلقاً لتنفيذ عمليات ضد القوات الأمنية أو ضد سائحين أجانب. وكان هجوم على حافلة لقوات الحرس الرئاسي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، آخر العمليات الإرهابية الكبيرة. ولكن اشتباكات قوات الأمن والإرهابيين كثيرة ومتكررة.
أمام هذا الواقع فرضت تونس حالة الطوارئ. ومؤخراً، بعد انطلاق حركة الاحتجاجات الأخيرة، حذّرت أصوات كثيرة من استغلال الإرهابيين لما يحدث وفرضت الحكومة حظر تجوّل في كامل الجمهورية، من الثامنة ليلاً حتى الخامسة صباحاً.
الصورة: جانب من الاحتجاجات في سليانة التونسية/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659