متابعة علي عبد الأمير:
تابعنا في الجزء الأول من تقرير وكالة أنباء "أسوشيتيد برس" جانباً من الحياة الداخلية لمجتمع المناطق التي يسيطر عليها داعش، وكيف بات التنظيم يخسر ولاء حتى "من وجدوا فيه منقذاً لهم من ديكتاتورية نظام الأسد" في سورية.
وفي هذا الجزء نواصل متابعة الملامح الحقيقية للتنظيم، حيث نتعرف من خلال التقرير على وثيقة من 12 صفحة تتضمن تفاصيل نظام داعش "القضائي". تختص الوثيقة بعمل ما يسميه التنظيم "ديوان الحسبة" أو "الشرطة الدينية" والتي تتولى فرض الزي الذي يحدده التنظيم، كذلك الفصل الصارم بين الجنسين وغيرها من القواعد السلوكية. ويحاول التنظيم من خلال هذه الوثيقة رسم صورة له لا توجد على أرض الواقع، مثل أمور تتعلق بـ"لطف" التعامل.
لكن السوريين الهاربين لم يجدوا غير نقيض تلك المواصفات، فالوحشية هي ما لجأت إليه عناصر "الحسبة". وتقول امرأة سبق لها أن عاشت في مدينة الرقة أنّها إذا انتهكت قواعد اللباس التي يحددها المسلحون، فإن عقوبة الجلد ستقع على زوجها، حيث يُنظر إليه على أنه مسؤول عن سلوكها. وعندما وضعت جارتها القمامة بشكل غير مناسب خارج المنزل، صدر الأمر بجلد زوج المرأة.
أبو مناف، 44 عاماً، سوري من منطقة دير الزور، تحدث عن تحدي بعض علماء الدين المعتدلين لطرق وسياسات داعش. حيث اعترضوا على تطبيق بعض العقوبات مثل قطع الرؤوس، والرجم حتى الموت وقطع الأطراف من قبل داعش، وقالوا لداعش إن هذه العقوبات لا يمكن تطبيقها إلا بشروط محددة. واعترضوا كذلك على إحدى عادات داعش وهي إبقاء الجثث مقطوعة الرأس في الأماكن العامة، كرادع للآخرين، وهو ما يشكل خرقاً للتعاليم الإسلامية القاضية بالدفن السريع للميت.
"العديد من هؤلاء العلماء المعتدلين اختفوا، أو تم قتلهم أو سجنهم من أجل جرائم لم يرتكبوها" قال أبو مناف الذي غادر دير الزور في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ثم بقي في العاصمة الفعلية لداعش، أي مدينة الرقة، لمدة ثلاثة أسابيع قبل وصوله إلى تركيا.
ويقول السوريون الهاربون الذين تمت مقابلتهم في تركيا إن القضاة التابعين لداعش "غالباً ما يظهرون خلال المحاكم انحيازهم لعناصر داعش وفي أي نزاع قانوني مع الجمهور. وأولئك القضاة يبررون التحيز عبر استخدام آيات قرآنية أو أحاديث النبي محمد".
ويكشف حسام، الذي كان يملك متجراً لبيع الملابس النسائية في الرقة، عن استحواذ أعضاء داعش على العديد من الامتيازات قائلاً إنّه "في كثير من الحالات، يقرر الشباب الانضمام إلى الجماعة الإرهابية هرباً من الفقر أو لحماية أنفسهم من تجاوزاتها".
ويقول "هؤلاء الذين ينضمون إلى داعش يحققون خطوة في سلم النفوذ الاجتماعي"، موضحاً أن "رجال داعش يستأثرون بقيادة السيارات الفاخرة وتناول الطعام في أفضل المطاعم وكل من لديه صديق أو قريب في التنظيم. وإن ذلك يعني له حياة أفضل".
ويستخدم التنظيم الزواج من نساء المناطق الخاضعة لسيطرته، أسلوباً لرفع معنويات أعضائه. وقال العديد من السوريين الذين قابلتهم وكالة "أسوشيتيد برس"، إن الأسر التي لديها بنات تخشى في كثير من الأحيان تزويجهن للمقاتلين تحت ضغوط وتهديدات، ما دفع الكثيرين إلى تهريب بناتهم إلى تركيا.
وتقول فتاة سورية عمرها 26 عاماً، اختارت لنفسها اسم خطار، وهي تتحدث من منطقة يونانية في طريق هجرتها إلى أوروبا، إن لديها أختين أصغر منها في الرقة، و"يطرق الجهاديون أبوابنا مرة واحدة في الشهر على الأقل لطلبهن للزواج لكنّ والدي كان يكذب عليهم بقوله إن كلّ بناته متزوجات"، مستدركة "ولكن البعض اغتنم هذه الفرصة ليزوّج ابنته لعضو في داعش، ففي ذلك فوائد، بينها رفع جميع أفراد الأسرة من طبقة العوام".
فالفقر المنتشر في المناطق التي يسيطر عليها داعش، وصعوبة المعيشة فيها، إلا على أفراد داعش، جعل من الناس "عواماً" يحاولون التخلص من الفقر الذي يحيط بهم من كل جانب.
وفي هذا الجانب تقول خطار، إن بنت جارتهم تبلغ من العمر 17 عاماً تزوجت جهادياً سعودياً، وعندما ذهبت لتهنئتها، وجدتها محمّلة بملابس ومجوهرات باهظة الثمن قدمت إليها كمهر للزواج.
وتكمل "بدت سعيدة جداً بمكانتها الاجتماعية الجديدة".
*الصورة: "والدي كان يكذب عليهم بقوله إن كلّ بناته متزوجات"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659