مراجعة علي عبد الأمير:
في كتابه المهم "تنظيم داعش من الداخل- ملفات وأبعاد واستراتيجيات"، وهو الثاني له عن تنظيم داعش، ينقلنا الباحث والأكاديمي العراقي المتخصص بالشؤون الأمنية والجماعات الإسلامية المسلحة، الدكثور هشام الهاشمي، إلى تفاصيل غنية عن طبيعة التنظيم الإرهابي الذي روّع العراق والمنطقة وبات اليوم خطراً جدياً على الأمن والسلام في العالم.
وضمن عناية موقع (إرفع صوتك) بتفكيك خطاب العنف والتمرد المسلح، نبدأ عبر هذه القراءة، سلسلة مراجعات لأبرز قضايا الكتاب وجوهره الغني المعلومات والرؤية التحليلية، وبما يوفر الفرصة حقاً لقراءة المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي في العراق وسورية وفق معطيات عناها تسيّد التنظيم الإرهابي لكثير من التحولات التي شهدها البلدان على نحو خاص، والمنطقة عموماً.
غلاف كتاب "تنظيم داعش من الداخل- ملفات وأبعاد واستراتيجيات"
وفي مقدمة كتابه، الصادر حديثاً، ينقلنا الهاشمي إلى البحث في مصادر أموال زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، وطريقة تعاطيه مع هذا الملف من أجل شراء ولاء قياداته وضمان إخلاصها. فيقول "ما كان لدى البغدادي ومساعديه وفريق مستشاريه ودائرة محدودة من أقربائهم، من الثراء والأموال الكثيرة، لأنّهم يشعرون أنّ الفضل في قوة تنظيم داعش الاجتماعية والمالية يرجع إليهم"، موضحاً كيفية بناء تلك الامبراطورية المالية "لكي يستطيع البغدادي أن ينشئ ملفاً مالياً كبيراً يتولى إدارته أخوه أحمد، مع ملف تنسيق البريد الخاص بين الولايات، كان يحتاج إلى أن يثبت أنّه لن يضر به كقائد أعلى لتنظيم الدولة".
نفط الخليفة
وعن كيفية بناء المصادر المالية للتنظيم يوضح الهاشمي "قبل تشرين الثاني/نوفمبر 2013، كان تنظيم داعش يعتمد مالياً على الغنائم. أما اليوم فقد أصبح معظم مقاتلي داعش يحصلون على الدعم المالي من خلال "المالية والإدارية" التي تديرها داعش أو يشرف عليها بيت المال، ويتحكم بها أحد مساعدي البغدادي. بالإضافة إلى أن البغدادي، لكي يستعرض هيمنته المالية والشرعية، يدفع رواتب لمساعديه ومجلس الشورى وولاة الولايات أعلى بكثير من تلك التي يدفعها أي تنظيم مسلح آخر. وعلى الرغم من أن معظم الموارد المالية في التنظيمات الأخرى تعتمد أساساً على أموال التبرعات والصدقات والغنائم، يهيمن البغدادي على أكثر المؤسسات النفطية ثراء وربحية في الغرب العراقي والشرق السوري، والشركات والمصانع والمخازن التابعة لتلك المنطقة. ويغطي بيت المال في تنظيم الدولة كل الاحتياجات المالية للمقاتلين".
يشتري الولاء
وتبدو "الرواتب"، أشبه ما تكون بشراء الولاء، وبالذات لمن أصبحوا المفاتيح الأساسية في تسيير أمور المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، "بالنسبة لرجال الحسبة والتحقيقات كانوا على قوائم رواتب تنظيم داعش، ومعيشتهم تعج بالمزايا الخاصة والمخصصات المالية. فقد خصّص تنظيم داعش موازنات كبيرة للهيئات الشرعية، ما جعلها أكثر ثراء من أي فترة أخرى".
ومن المؤشرات المهمة التي يوردها الكتاب:
*الفوارق الطبقية بين أنصار البغدادي وعامة الناس. تلك الفوارق أفقدت تنظيم داعش حواضنه الاجتماعية .
*انصار البغدادي ليسوا إلا جباة للمال في المناطق السنية ذات الثروات النفطية والتجارية، ويتعاملون مع الحضري (ابن المدن) بازدراء، وقد يهددون أملاكه بفرض الأتاوات عليه!
*أبناء المدينة والحضر لا يحبذون التقرب إلى انصار البغدادي، ولا يشتركون معهم بأي عمل تجاري أو خدمي إلا وكانوا مكرهين.
*هناك صفة مميزة لجماعة البغدادي في الموصل أن معظم من بيده الحل والعقد، ممن لديه ثقافة وقساوة البداوة والقرية، حيث يُنظر لأهل المدينة ونسائهم على أنهم فاسدون دون أخلاق ومروءة.
* قسمٌ كبيرٌ من المتسولين في مناطق الموصل القديمة ومنطقة باب الطوب، وخصوصاً المراهقين والشباب منهم، قد انضموا إلى جماعة البغدادي، فكانوا أكثر قسوة وخبثاً!
*من يجمع الأتاوات والجزية والزكوات والصدقات في نينوى، هم غالباً من طلبة العلوم الشرعية وفي معيتهم عناصر من المهاجرين.
*في دولة البغدادي من لا يؤمن بالخليفة، فإنّه سوف يتضور جوعاً. ومن يمتلك الشفاعة والتسهيلات هو من تقطّر دماء الناس من بين أصابعه.
*البغدادي لا يثق كثيراً باللجنة المالية ولذلك يمنعها من نقل الأموال بشكل واضح وبمبالغ كبيرة.
*هناك مجموعة من العناصر الأمنية تتصل بالبغدادي أو بأحد مساعديه واجبها مراقبة اللجنة المالية وتتابع طرق نقل الأموال عبر شركات التحويل و باسم من يتم التحويل وكمية المال المسموح به.
*العديد من مكاتب توزيع الزكاة والصدقة في نينوى والرقة ودير الزور والقائم يشرف عليها مقربون من هذه المكاتب. كما يعقد هؤلاء صفقات "فاسدة" مع الناس لمساعدتهم على الهروب من تلك المناطق مقابل مبالغ مالية.
الصورة: غلاف كتاب "تنظيم داعش من الداخل- ملفات وأبعاد واستراتيجيات" المقدم من مؤلفه الهاشمي
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659