صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

استنكر باحثون متخصصون ومواطنون يمنيون، قيام اسرائيل بنقل 19 يهودياً من اليمن إلى أراضيها، معتبرين ذلك كارثة حقيقية في تاريخ البلد العربي العريق، الذي حكمه اليهود لأكثر من 70 عاماً في القرن السادس الميلادي.

ونفى الحوثيون معرفتهم بالعملية أو عداءهم لأفراد هذه الطائفة الأقدم بين الطوائف اليهودية على مستوى العالم، بحسب مؤرخين وباحثين.

وأعلن مسؤولون إسرائيليون الاثنين 21 آذار/مارس أن "19 فرداً وصلوا إسرائيل في الأيام الأخيرة، 17 منهم وصلوا ليل 20 آذار/مارس... في عملية سرية ومعقدة وتاريخية”، حسب ما نقلت الوكالة اليهودية شبه الحكومية والمسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود إلى تل أبيب.

مؤامرة داخلية وكارثة

يقول ماجد البكاري، مواطن يمني لموقع (إرفع صوتك) "يعتبر هذا تدخلاً سافراً من السلطات الإسرائيلية (بشؤون اليمن)، وهناك مؤامرة داخلية ساهمت في ترحيلهم".

محمد السقاف مواطن يمني أيضاً، عبّر لموقع (إرفع صوتك) عن استنكاره ورفضه لهذه العملية القسرية.

من جهته قال الباحث والمحلل السياسي ونقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر "هذه كارثة حقيقية لأن اليهود سكان أصليون في اليمن حيث تأسست دولة يهودية في العصر الحميري (مطلع القرن السادس الميلادي)، قبل الإسلام، وهي التي وحدت اليمن (خلال حكمها) لأكثر من 70 سنة".

ونجحت الدولة العبرية منذ قيامها عام 1948، باستقبال أكثر من 51 ألف يهودي من أصول يمنية إلى أراضيها، منهم نحو 50 ألفاً بين عامي عام 1949 و1950 في إطار عملية عُرفت باسم عملية "البساط السحري".

ولم يبقَ اليوم سوى 50 يهودياً على الأقل، غالبيتهم يعيشون معزولين وتحت حراسة أمنية مشددة تحول دون اللقاء بهم في "المدينة السياحية" شرقي العاصمة صنعاء، بالقرب من السفارة الأميركية.

التعصب الديني

وانتقد عبد الباري طاهر في حديثه لموقع (إرفع صوتك) التعصب الديني معتبراً اياه السبب الرئيس في هجرة يهود اليمن.

وعاتب طاهر اليمنيين لتعاملهم السلبي مع أفراد هذه الطائفة، "للأسف الشديد، نكلوا بهم وهجروهم من قراهم. وهذا إلغاء للتعدد الديني يترافق مع إلغاء للتعدد الثقافي والسياسي والفكري.. هذه مشكلة حقيقية في اليمن والمنطقة العربية برمتها".

وتعرض يهود اليمن لمضايقات وانتهاكات واسعة في فترات مختلفة، وخاصة مع  تصاعد نفوذ الجماعات الاسلامية المتشددة، فضلاً عن جماعة الحوثيين، بشعارها الشهير المتضمن لعناً لليهود، وهي ذاتها المتهمة بتهجير عشرات اليهود من قرية “آل سالم” بمحافظة صعدة (شمالي اليمن) عام 2007، في واحدة من أبرز الانتهاكات، تلتها اعتداءات وحوادث قتل تعرض لها يهود يمنيين، مع افتقار لأسس الحماية والعدالة معاً.

ويبين طاهر أن "المأساة في الفكر العربي السائد والسياسات العربية ولدى الحكام وأطراف عديدة وبالأخص الحركات الدينية، هي عدم القدرة على التمييز بين الصهيونية كحركة سياسية وبين اليهودية كدين. الصراع ليس مع اليهود كديانة ولا كبشر، بل مع الصهيونية وتحديداً إسرائيل، كحركة استعمارية معادية، مسؤولة عن الاحتلال والمذابح في فلسطين العربية".

أسباب رئيسية للهجرة

وإضافة للمضايقات وحالة العزلة، وافتقارهم للمدارس الخاصة ودور العبادة، تضاعفت معاناة يهود اليمن بصورة غير مسبوقة خلال موجة العنف المستمرة في البلاد منذ حوالى عام والتي طالت جميع اليمنيين، واليهود خصوصاً.

يعيش اليهود في اليمن حالة بطالة مستمرة منذ أعوام، إذ يفتقرون إلى فرص العمل بعد اندثار معظم المهن اليدوية والحرفية، لعدم توفير أدواتها الخاصة (كالنجارة والحدادة وصياغة الذهب والفضة ودباغة الجلود وغيرها) التي كانوا يعتمدون عليها في صعدة قبل تهجيرهم إلى العاصمة، وهذا بحد ذاته يمثل خسارة لأبرز موروث من الحرف اليدوية اليمنية.

ويعتمد غالبية هؤلاء في معيشتهم على إعانات حكومية بسيطة للغاية، تشمل توفير السكن وما يعادل 20 دولاراً أميركياً للفرد شهرياً، ولم يتسن لمراسل (إرفع صوتك) التأكد من استمرار استلامهم للمعونات.

تلك العوامل مجتمعة وغيرها، دفعت بقية يهود اليمن للهجرة نحو تل أبيب والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بعد أن ظلوا لسنوات متمسكين بانتمائهم وبقائهم في اليمن رغم ظروفهم القاسية فيها.

واقع مخيف

ونفى حامد البخيتي، عضو اللجنة الإعلامية لجماعة الحوثيين، مسؤولية جماعته عن أي مضايقات أو تهجير ليهود اليمن. وقال البخيتي لموقع (إرفع صوتك) “لا علاقة لأنصار الله (الحوثيين) بهذا الموضوع نهائياً".

وبالنسبة لشعار الجماعة المتضمن (اللعنة على اليهود)، قال البخيتي “هؤلاء (اليهود) هم يمنيون.. الشعار يختلف تماماً عن قضية تهجير اليمنيين إلى إسرائيل".

ورفضت القوات الأمنية والحوثيون المكلفون بحراسة المدينة السماح لمراسل (ارفع صوتك) بدخول المدينة السكنية السياحية شمالي شرق صنعاء، لمقابلة من تبقى من يهود اليمن المنحصرين كلياً تقريباً في هذا المكان.

كما رفض حاخام الطائفة اليهودية يحيى يوسف موسى وهو أحد يهود “آل سالم” المهجرين، مقابلة المراسل أو الرد على اتصالاته للحديث حول الموضوع ومصير من تبقى من اليهود.

لكن وسائل إعلام موالية للرئيس اليمني السابق، أفادت بأن يحيى يوسف يرفض تماماً مغادرة الأراضي اليمنية.

ورغم ذلك يظل مصير من بقى من اليهود اليمنيون مجهولاً، فيما المعاناة مستمرة. ووفقاً للباحث عبدالباري طاهر "من بقوا تنتابهم كثير من المخاوف والعقد والمشاكل. أنت في ظل الشعار المرفوع بالموت لليهود والنصارى ولأمريكا، كله موت، وهذا يعني واقعاً مخيفاً".

*الصورة: يهود يمنيون/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

مواضيع ذات صلة: