متابعة حسن عبّاس:

المتاريس تصنع خطاً فاصلاً واضحاً للعيان يقسّم مدينة طوزخرماتو العراقية الواقعة على مسافة 175 كيلومتراً تقريباً شمال بغداد. وحيث تغيب العلامات الواضحة، يعرف الناس بفطرتهم أين تنتهي حدود كل قسم من قسمي المدينة التي قسّمها الصراع بين الأكراد والتركمان.

المدينة المنقسمة

يسيطر الأكراد على أحد شطري المدينة، أما الشطر الآخر فيخضع لسيطرة التركمان الشيعة. ويتصارع الطرفان من أجل فرض النفوذ في المدينة التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، والتي أدى التوتر العرقي بين أبنائها إلى نشوب معارك دامية أكثر من مرّة.

ويواجه رئيس البلدية الكردي صعوبات شديدة في فرض سلطته على الجانب التركماني من الخط الفاصل كما أن الشرطة أضعف من الجماعات المسلحة التي تجوب الشوارع.

وفي تعليقه على واقع المدينة، قال المسؤول الكردي في الإدارة المحلية كريم شكور "المؤسف أنها أصبحت مدينتين".

وقال شيخ من التركمان الشيعة "لم تحدث هذه العداوة من قبل". وأضاف أنه كان يعيش في حي مختلط إلى أن أحرق أكراد منزله في أعمال عنف دارت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. أما الآن فهو يعيش في منطقة ذات أغلبية تركمانية بعد أن انتقل سكّانها الأكراد، من جهتهم، إلى القسم الآخر.

ويقف شباب يحملون بنادق والقلق بادٍ على وجوههم خارج قواعد الفصائل المسلحة.

وصار السوق الرئيسي الذي كان يجتمع فيه أبناء المدينة تحت سيطرة التركمان. وبات الأكراد يخشون الذهاب إليه ففتحوا مجموعة جديدة من المتاجر في الشطر الخاص بهم من المدينة.

وقال رئيس بلدية المدينة محمد عباس "نوزّع عمّال التنظيف حسب الطائفة والعرق حتى يمكنهم الوصول إلى جميع المناطق. فنرسل الأكراد إلى المناطق الكردية والتركمان إلى المناطق التركمانية."

وهجر المدرسون والتلاميذ التركمان المدارس الواقعة في الشطر الكردي كما هجر الأكراد مدارس الشطر التركماني. وصار المستشفى الرئيسي محظوراً على الأكراد.

وتدهورت الصداقات بين التركمان والأكراد، ومَن يتجاوز الخط الفاصل بين الشطرين يجازف بالتعرض للإهانة أو الاعتداء الجسدي أو الخطف أو حتى القتل.

وفي الشهر الماضي تلقى سبعة من العاملين الأكراد في مركز طبي في ضاحية يهيمن عليها التركمان رسالة نصية عبر الهاتف تطالبهم بالرحيل.

الصراع على المدينة

بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين، طالب الأكراد بتوسيع إقليمهم ليضم مناطق جديدة من بينها طوزخرماتو، وهو ما رفضه العرب والتركمان، خاصةً أن كل المناطق التي طالب بها الأكراد مختلطة عرقياً.

وبعد تمدّد داعش في العراق وتصدّي قوات البيشمركة الكردية له في شمال العراق، حاول الأكراد فرض نوع من الأمر الواقع الجديد.

ولم يتقبّل التركمان الشيعة احتمال إلحاقهم بالإقليم الكردي، فانضموا إلى مجموعة من الفصائل المسلحة التي انضوت تحت لواء الحشد الشعبي.

وقال الحاج رضا القائد المحلي لأحد الفصائل الشيعية "الأكراد يزعمون أن طوزخرماتو جزء من إقليم كردستان ونحن نعتقد أنه يخص حكومة العراق المركزية. ولن نتهاون في ذلك".

وحالياً، يرتبط الشطر الكردي من طوزخرماتو بإقليم كردستان العراق بينما يرتبط شطرها التركماني ببغداد.

ووقعت احتكاكات عدّة بين الفصائل المسلحة المنتشرة في المدينة، ووقعت عمليات خطف وقتل. ودفع الثمن بشكل أساسي أبناؤها من العرب السنّة الذين غادر معظمهم المدينة.

وفي نيسان/أبريل الماضي، اندلعت اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. ولكنّ وساطة قامت بها إيران أعادت الهدوء إلى المدينة.

فأبرز طرفين في المدينة، وهما منظمة بدر الشيعية والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، تربطهما علاقات جيّدة بإيران التي ساندتهما علناً أثناء تصدّيهما لتمدّد داعش.

لكن هنالك فصائل أخرى كردية وتركمانية تستفيد من المواجهة لأنها تزيد من شعبيتها بين أبناء المدينة الذين صارت أكثريتهم لا تؤمن بالحلول الوسط.

ويرتاب الأكراد من مساعي التركمان للسيطرة على المدينة ويخشون أن تكون جزءاً من برنامج إقليمي شيعي أوسع نطاقاً لتحدي نفوذهم في مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها والتي تقع على مسافة 80 كيلومتراً شمال طوزخرماتو.

ويعتقد البعض أن ما يحدث ليس إلا بداية لصراع أكبر سيندلع بين فصائل الحشد الشعبي والبيشمركة بمجرد أن يقل الخطر الذي يمثله داعش، العدو المشترك.

(بتصرّف، عن وكالة "رويترز")

*الصورة: قوات من البيشمركة قرب كركوك/عن وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: