متابعة حسن عبّاس:
اتهموه بسرقة هاتف خلوي فأوقفوه واقتادوه بعيداً عن منزله وقطعوا يده. هي قصة تكاد تكون اعتيادية في مناطق سيطرة داعش. لكن الجديد فيها هو أن راويها تحرّرت قريته وصار بإمكانه قصّ ما حدث معه بالتفصيل.
هو بشار قاسم. فتى عمره 16 عاماً. يلفّ ساعده بضمادة بيضاء اللون لكي لا تبقى آثار الجريمة حاضرة أمام عينيه. فقد قطع داعش يده بعد اتهامه بالسرقة في بلدة الهول السورية التي كان يسيطر عليها التنظيم.
قصة بشار
في منزله المتواضع، في بلدة الهول في محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، روى بشار "كنت عائداً من زيارة شقيقتي في مدينة الحسكة حين أوقفني عناصر التنظيم عند أحد الحواجز واتهموني بسرقة هاتف خلوي".
في البداية، أنكر بشار الاتهامات الموجّهة إليه وأصرّ على براءته. لكن شدة الضرب الذي تعرض له أرغمته على الاعتراف بجرم لم يرتكبه.
اعتقله الجهاديون ونقلوه إلى مدينة الشدادي التي تبعد نحو ثمانين كيلومتراً عن الهول، وألقوا به في السجن "قرابة أربعين يوماً".
في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حرّرت قوات سورية الديموقراطية بلدة الهول من داعش، ثم في شباط/فبراير حرّرت الشدادي التي كانت تُعتبر معقل التنظيم الأساسي في محافظة الحسكة. صار بإمكان بشار أن يقصّ قصته للعالم.
بعد أيام في السجن، أبلغ عناصر التنظيم بشار أنه حان الوقت للعودة إلى المنزل، لكن الفتى لم يصدّق ما قيل له.
وروى "وضعوني في سيارة وقالوا لي بعدها أننا وصلنا إلى البيت. رفعوا الرباط عن عينيّ فوجدت الناس من حولي ينتظرون تنفيذ القصاص"، في إحدى ساحات قرية الدشيشة في ريف الشدادي.
وتابع "حين رأيت العالم ظننت أنهم سيقطعون رأسي. حاولت الهرب لكنني لم أتمكن بسبب القيود في يدي. أجلسوني على طاولة ورفضت أن أعطيهم يدي في البداية لكنهم ضربوني، من ثم حقنوني وخدروني وقطعوا يدي، وحين استعدت وعيي وجدت نفسي في المستشفى ويدي مقطوعة".
يتذكر بشار منزعجاً كيف أن "الناس من حولي كانت تضحك كما لو أنه أمر أقل من عادي" لافتاً إلى أن أحداً لم يُبد اهتماماً إذا كان "هناك ظلم" في القصاص الذي تم تطبيقه عليه.
كنت أكتب بيدي
في بلدته الهول حيث المنازل المتواضعة والأزقة الرملية، يمضي بشار وقته اليوم في التجوّل مع شقيقه الأصغر سناً في الأحياء الشعبية، يائساً من إمكانية إيجاد عمل يمكّنه من المساهمة في إعالة أسرته التي تركها والده عندما كان طفلاً في السادسة من عمره.
وقال "عملت سابقاً في محل للخضار وآخر للسمك والفراريج. لكنني اليوم من دون يدي لست قادراً على العمل ولا على مساعدة نفسي".
لم يعد بشار راغباً بمتابعة دراسته ويسأل بانفعال "نسيت المدرسة ولا أريد الذهاب إليها. كنت أكتب بيدي اليمنى، لكنهم قطعوها، ولا أعرف كيف أكتب بيدي اليسرى، ماذا سأستفيد من المدرسة؟".
في إحدى غرف منزله المتواضع، يحاول بشار بصعوبة إصلاح عجلة دراجته الهوائية مستخدماً يده اليسرى.
على بعد خطوات منه، تجلس والدته آسيا بردائها الأسود والتجاعيد ملأت وجهها. ترمق طفلها بنظرات حزن وتأثر.
وقالت "بقيت طيلة يومين أو ثلاثة أيام لا أصدق ما حصل. هل يصل بهم الأمر إلى قطع يده؟ وحين أتى ورأيت يده مقطوعة، جننت".
سجون داعش
في الأيام الأربعين التي أمضاها في سجن الشدادي، شهد بشار على أمور كثيرة.
وشرح أن السجن في الشدادي كان "من ثلاث غرف، واحدة للنساء واثنتان للرجال، بالإضافة الى ساحة خارجية يُسمح للسجناء بالخروج إليها لمدة نصف ساعة فقط".
في السجن، كان معه طفلان يبلغان من العمر تسعة وعشرة أعوام واعتُقلا بتهمة بيع الدخان. "أخذوهما وجلدوهما أمام العالم، ثم غرّموهما قبل أن يطلقا سراحهما"، قال.
لا يزال بشار يستحضر صراخ النساء أثناء التحقيق معهن داخل السجن. كما لا تزال مشاهد عقاب رجل من دمشق حاضرة في ذهنه. وقال "كان عقابه الذبح ووضعوا لنا شاشة على حائط السجن لمتابعة العملية".
(بتصرّف عن وكالة الصحافة الفرنسية)
*الصورة: طفل ينظر إلى آثار قصف على مدينة كوباني/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659