وميض القصاب
وميض القصاب

مشاركة من صديق (إرفع صوتك) وميض القصاب:

على أثر الهجمات الإرهابية التي قام بها مسلم أمريكي من أصول أفغانية على نادٍ للمثليين في أورلاندو، والتي أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى في إحدى أشد الهجمات الإرهابية المحلية في التاريخ الأمريكي، أثير ملف موقف الإسلام ومسلمي الغرب من المثليين والمتحولين جنسياً.

ويعتبر المثليون والمتحولون جنسيا في السنوات الأخيرة من أبرز الفئات الاجتماعية التي تناضل لنيل حقوقها المدنية وتحارب لإيقاف التميز ضدها في الغرب.

طرح عدد كبير من المفكرين والمهتمين بقضايا الجالية المسلمة في الغرب أسئلة محورية حول موقف المسلمين في مجتمعاتهم من المثلية الجنسية، وطالبوا الجالية المسلمة بموقف واضح منها. فعلى أثر الهجمات، عبّر المجتمع الإسلامي عن استنكاره وإدانته للهجمات، لكن أصرّ كثير من مسلمي الغرب أن يفصلوا ما بين موقفهم من إدانة الإرهاب وبين تقبل الإسلام للمثليين واعتبار المثلية سلوكا مخالفا لتعاليم الدين وتستحق عقوبة صارمة قد تصل للقتل أو الرمي من أماكن عالية. بل أن صحيفة الأفتن بوستن النرويجية نقلت مقالاً عن اعتبار أغلبية المسلمين لضحايا الاعتداء في أورلاندو بأنهم بشر مختلفون عن البشر العاديين.

ورغم مبادرات المنظمات الإسلامية لإظهار التضامن مع مصاب مجتمع المثليين ودعوات بعض الناشطين لصلوات مؤازرة كما حدث في أميركا بعد صلاة المغرب في موعد الإفطار أو المشاركة في مهرجانات المثليين السنوية التي أطلقها ناشطون مسلمون في مملكة النرويج، إلا أن المجتمع الغربي لا يزال بحاجة لموقف واضح من القضية وموقف المسلمين منها.

وقد وصف الصحفي الأمريكي فريد زكريا، المحلل السياسي ومقدم برنامج GPS على شبكة" سي إن إن" أن موضوع المثلية الجنسية يعتبر من أكثر المواضيع المحظورة في المجتمعات الإسلامية.

وأوضح زكريا "في الحقيقة إن المجتمع المسلم متحفظ اجتماعياً بصورة كبيرة، كما كان الوضع في المجتمعات المسيحية قبل 30 أو 40 عاماً. هناك الكثير من فوبيا المثلية الجنسية والكثير من الشكوك والكثير أيضاً من التمييز إلى جانب وجود الكثير من القمع بصورة تتجاوز أي أمر آخر".

موضوعات متعلقة:

يمنيو المهجر يناقشون أفكاراً لمكافحة التطرف

كم سيصير عدد المسلمين في الاتحاد الأوروبي عام 2050؟

يصنف الغرب المسلمين ضمن المجتمعات التي تظهر عداء للمثلية وتعاني من فوبيا ضدهم. ويعتبر المثليون المسلمون من الجماعات المهددة بالخطر التي تستحق حق اللجوء والحماية في عدة دول غربية. وقد نشر عدة مثليين مسلمين مقالات على أثر الهجمات سردوا فيها قصص معاناتهم وعدم تقبل الجاليات المغتربة لهم وتعرض عدد منهم للنفي والمقاطعة من عوائلهم، كما تداول عدد من المواقع المنتقدة للإسلام عدة مقاطع فيديو لشيوخ يخطبون في دروس دينية في جوامع الجاليات المسلمة وهم يصفون المثلية بالخطيئة ويشرحون أن حدها هو الموت.

وعلى الرغم من أن هناك عدد قليل من الشيوخ ممن يدعون لخطاب يعادي التجريم والتمييز ضد المثليين، بل أن هناك شيوخ مسلمون أعلنوا أنهم مثليون كإمام مسجد نور الإصلاح في العاصمة الأميركية واشنطن، وتأكيدهم أن الإسلام ضد التميز ومع التنوع، فلا تزال تهمة معادة المثليين حاضرة بقوة ضد المسلمين.

فوجهة نظر الباحثين الغربيين تفكر أن المدارس تربي الأجيال على تقبل الآخرين وعدم التمييز، خاصةً في المواضيع المتعلقة بالهوية الجنسية، بينما يقدم البيت والدروس الدينية للطفل القادم من مجتمع مسلم  نسخة أكثر تشدداً تتضارب مع تعاليم المجتمع وقيمه. ويجد الطفل نفسه حائراً بين التعامل مع زملائه في الدراسة أو مدرسيه ممن قد يكونوا يحملون هوية جنسية مثلية وبين القيم التي يستمدها من والديه وثقافته الأم. والمجتمع الغربي تجد فيه المثليين في كل نواحي الحياة كالجار والمدرس وزميل العمل وربما رئيس الدولة، فكيف يتحقق للمسلم اندماج صحيح وتقبل للتعايش في مجتمع وهو شب كفرد يرى أفراد فعالين فيه كبشر أقل من البشر الآخرين؟ بل قد يؤمن أنهم يستحقون الموت؟

إن الاندماج سلاح المسلمين القوي في الغرب. ولتحقيق الاندماج لا بد أن يكون أكثر استعداداً للانفتاح والتغيير وإلا سيعاني من العزلة ويكون فريسة سهلة لاتهامات التيارات المعادية له.

إن نجاح الاندماج للفرد المسلم في مجتمعه الغربي أساسي لمحاربة تهمة أن الاسلام دين يحرض على العنف والإرهاب، وفكرة أن المسلمين عاجزين على التعايش في مجتمع متحضر، ودعاوي العنصريين لمنعهم من الإقامة والسفر لتلك الدول. ولهذا فلا بد للخطاب الذي تقدمه المؤسسات الدينية، خاصةً في الغرب، أن يعيد النظر في نفسه ويزيل العوائق التي تمنع أفراده من الاندماج بشكل صحيح، إسوة بما قامت به المؤسسات الدينية والفكرية الأخرى ومرونتهم في تقبل المختلفين في أبناء مجتمعاتهم وتقديم نماذج للاندماج السريع من دون أن ينسلخوا عن هويتهم الاجتماعية وثقافتهم الأم.

وعلى الجاليات المسلمة كذلك أن تستجيب لدعاوي ناشطيها للانفتاح والتآخي مع المجتمعات والهويات الثقافية الأخرى في المجتمعات المتعددة. فالمجتمع المثلي يعاني من نفس مشاكل التمييز والعنصرية التي يعاني منها المسلمون في الغرب ومن نفس الجهات والمنظمات العنصرية واليمينية. والمجتمع المثلي ساهم بشكل إيجابي في التطوع وجمع التبرعات لدعم المهاجرين واللاجئين من الدول المسلمة.  ومن الأولى أن يكون هناك روابط تعايش ما بين ضحايا التمييز والعنصرية بدلاً من ممارسة الفوبيا سواء كانت ضد المثلية أو ضد المسلمين.

عن الكاتب: وميض القصاب، كاتب وباحث عراقي. حاصل على شهادات دولية في مجال حل النزاعات وبناء السلام. له عدد من الكتابات المنشورة في مواقع مختلفة.

لمتابعة الكاتب على تويتر إضغط هنا، وعلى فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

 

مواضيع ذات صلة: