بقلم علي عبد الأمير:

مَن توفّرت له فرصة مشاهدة الفيلم الوثائقي البريطاني " target="_blank">حقول قتل صدام"، عرف أن كل بقعة في العراق، تكاد تلخص قصة حزينة بين البلاد وحكامها، ذلك أن الرحمة بدت مفتقدة والعدل بعيداً. وللأهوار حكاية خاصة. فعلى الرغم مما كانت تشكله تاريخاً وكبيئة جغرافية "مائية"، إلا أنها لم تكن سوى "جمرة" لاهبة من مصائر العذاب والقسوة. فهي تختصر قصة إهمال حكومي واسع حتى خمسينيات القرن الماضي، ثم قصة استخدام،  من دون مشاورة أهلها، من قبل سياسيين مسلحين معارضين خلال الستينيات والثمانينيات، ما دفع الحكم في بغداد إلى حصار متعدد الأشكال للمنطقة ومواردها.

وقد تطوّر عقاب الأهوار وأهلها إلى تدمير منهجي بعد انتفاضة عام 1991 ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين، والتي انطلقت في أعقاب طرد الجيش العراقي من الكويت، وشارك فيها أهالي مناطق قريبة من الأهوار أو مؤدية إليها. وطال التدمير الأرض والإنسان وسر وجود الأهوار: الماء، وذلك عبر تجفيف تلك المناطق، فيما بدا عقاباً جماعياً لأهلها وكائناتها، في مشهد قلّ نظيره في القسوة.

موضوعات متعلقة:

الأيزيديون في العراق: طائفية ما قبل داعش؟

حلول لاحتواء التطرف الديني في اليمن

الأهوار ليست مجرّد منظومة مائية طبيعية. إنها، وكما تخبرنا به المعارف الدولية ووثائقها، ذخيرة فكرية وتاريخية، إذ شهدت حضارات قدّمت معطيات غيّرت مسار البشرية، كالكتابة والعجلة، كما أنها مصائر إنسانية وموارد اقتصادية وفضاءات جغرافية تمتد إلى عمق ما تعنيه بلاد الرافدين.

اليوم، مع إعلان الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي، بحسب منظمة الثقافة والعلوم الدولية "يونسكو"، يبدو من الطبيعي أن يسأل العراقي: قبل حماية المنظمة الدولية، ماذا فعلنا كحكم ومجتمع لبيئة بشرية وجغرافية وحضارية مميزة كالأهوار؟

هنا ملامح مسار، أراه واقعياً ويعيد الأهوار إلى مركزها الحقيقي، إلى عراقيتها.

* تنظيم جولات ميدانية تمتد ليومين أو ثلاثة (ينصح أن تكون خلال أيام عطلة منتصف العام) لطلبة المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات، لاختبار حقيقة الدرس الصفي عن الأهوار وتحويله إلى وقائع بحث ومعرفة يتمثلها الآلاف سنوياً.

* عوضاً عن مئات الدراسات المستغرقة في أكاديميتها وحديثها الذي لا طائل منه عن "ما بعد الحداثة" و"تفكيك الخطاب الغربي"، تحضر الأهوار كنسق إنساني وحضاري وبيئي في دراسات جوهرية مثل: الأهوار في الرواية العراقية، الأهوار في السينما والدراما العراقية، الأهوار كفضاء خاص بأطوار الغناء، إلى غير ذلك من مؤشرات ثقافية-اجتماعية.

* أكدت تجارب ما بعد العام 2003 ضعف العمل العراقي، وأحياناً الدولي (عبر جهات عراقية)، في إعادة الأهوار إلى أفق الحياة الحقيقية. ومن أجل قطع الطريق على فساد جديد سيرافق "إعادة الحياة إلى منطقة الأهوار"، ثمة حاجة جدية إلى عمل جريء، بتحويل الموضوع برمته إلى مسؤولية دولية بالكامل، لا سيما أن هناك شبه معادلة اليوم، تجعل المسؤول العراقي، حتى لو كان في مستويات بسيطة، قريناً للفساد.

* القول إن منطقة الأهوار تقبع فوق ثروات نفطية هائلة لم تُكتشف بعد وانضمام المنطقة إلى الإرث العالمي سيساعد على اكتشافها، فيه خلط كبير، وعدم دقة. فالبحث عن النفط سيعني، مع ضعف الرقابة في العراق بل انعدامها في أحيان كثيرة، تلوثاً تاماً وقتلاً لبيئة المنطقة، ناهيك عن كذب ربط وجود النفط في منطقة ما بخير يعود على أبنائها، ولنا في البصرة مثالاً يُحتذى.

* قبل فتح باب الرومانسية على مصراعيها، والقول إن العالم سيسارع بإرسال الأفواج السياحية إلى الأهوار، يجب تطوير الاقتصاد المحلي عبر العارفين من أهالي مناطق الأهوار والمدن القريبة منها، ومن الذين يمكنهم الاتصال بقدرات دولية حقيقية، دون انتظار قرارات حكومية ثبت أنها لن تقدّم سوى دعوات إلى فساد لا ينتهي.

* لا عيب في تذكير أهالي الأهوار بأنهم يدمّرون بيتهم الداخلي بأيديهم عبر عمليات الصيد الجائر لأنواع لا تحصى من الطيور والأسماك.

* لا عيب في تذكير أهالي الأهوار بحاجتهم إلى عملية "محو أمية" جديدة، وتذكيرهم بأن منطقتهم في سبعينيات القرن الماضي، كانت تشهد انتظاماً واسعاً في تعلم القراءة والكتابة لمن فاتهم ذلك، ويكفينا في هذا الشأن أن نشاهد فيلماً مهماً هو "الأهوار" للمخرج قاسم حول، عن أساتذة للإنجليزية كانوا يحرصون على تعليم اللغة الأجنبية لتلاميذ في مقتبل العمر يقفزون من زوارقهم الخاصة إلى صفوف وسط الماء طلباً للتعلم ومن ثم يعودون بتلك الزوارق الرشيقة إلى آفاق المكان الرحيب والخصيب أيضاً.

أهوار العراق على موعد آخر من رحلة الحياة، فهل سنجعلها آمنة؟

 الصورة: مشهد من أهوار العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: