متابعة علي عبد الأمير:

في عام 1999، تعرض الرئيس السابق لبلدية اسطنبول، رجب طيب أردوغان، للسجن ومُنع من ممارسة العمل السياسي لإلقائه قصيدة تقول "مآذننا حرابنا وقبابنا هي خوذاتنا، مساجدنا ثكناتنا"، مشددا "مرجعيتي هي الإسلام، وإذا لم أكن قادرا على قول هذا، فلا فائدة من العيش!".

هذا مدخل اختاره الكاتب، ياروسلاف تروفيموف، لتقريره في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، والذي يقدم أردوغان (الرئيس التركي الآن ورئيس الوزراء لمدة 11 عاما قبل ذلك)، المنغمس حاليا في "تطهير البلاد من الأعداء المشتبه بهم" بعد فشل انقلاب عسكري ضد حكومته، كأحد زعماء "الإسلام السياسي" في الشرق الأوسط، ممن واجهوا زنزانة السجن أو المشنقة، من الجزائر إلى مصر وصولا إلى تركيا، حيث "أجهزة تلك الدول مارست القمع من أجل تهميش الإسلام السياسي، وسحق الحريات الديموقراطية بذريعة الحفاظ على القيم العلمانية، لا سيما أن الغرب كان يفضل الشياطين من المستبدين ممن يعرفهم على الإسلاميين الذين لا يعرفهم"، بحسب الكاتب تروفيموف.

موضوعات متعلقة:

المغرب.. مستشارون ملكيون ووزراء في قلب “فضائح فساد”

الأزهر: نحو التزام من جميع الديانات بتحريم القتل

وردا على ذلك، فإن العديد من الحركات الإسلامية التي نشأت تحت تأثير جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومنها حزب أردوغان، احتضنت تدريجيا لغة التعددية وفكرة السياسة الديموقراطية والانتخابات. ومع ذلك، فإن "أطروحة الإسلاميين تنظر إلى الديموقراطية لا كقيمة في حد ذاتها، بل مجرد تكتيك لإقامة نظام إسلامي صحيح". وصناديق الاقتراع هي ببساطة أكثر الطرق الممكنة لتفكيك الأنظمة العلمانية التي حملتها فترات ما بعد الاستعمار، والتي فشلت في تحقيق العدالة أو تطوير حياة المسلمين العاديين.

أردوغان الذي وصف الديموقراطية أثناء شغله منصب رئيس وزراء تركيا الديموقراطية بأنها "مجرد عربة"، يشن اليوم حملة واسعة ضد المعارضة في المكاتب الحكومية، وسائل الإعلام، الجيش التركي والقضاء، في أعقاب محاولة الانقلاب، بما في ذلك اعتقال ما يقرب من 9000 شخص، وهو ما أدى إلى "القضاء على جميع الضوابط والتوازنات" بحسب سونر جاغابتاي، وهو خبير في الشؤون التركية في "معهد واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى.

مرسي: توطيد حكم الإسلاميين أولا

في مصر، كانت الآمال بالديموقراطية عالية في أعقاب مظاهرات 2011 التي ساعدت على إسقاط نظام حسني مبارك المستبد. لكن، محمد مرسي (جماعة الأخوان المسلمين)، وهو أول رئيس منتخب ديموقراطيا للبلاد سعى بعد بضعة أشهر فقط من انتخابه في عام 2012 إلى توطيد حكمه، ومنح نفسه حصانة من الرقابة القضائية. لاحقا قبرته السلطة التي حاول خفض تأثيرها، أي الجيش من خلال انقلاب عسكري ناجح في العام التالي، فقد "تمكن الحاكم القوي الحالي للبلاد، عبد الفتاح السيسي، من تثبيت نظامه بسرعة، ليكون أكثر قمعا حتى من نظام السيد مبارك".

تونس الاستثناء؟

ويستدرك الكاتب ليجد أن "الاستثناء لهذه القاعدة هو تونس، وهي الديموقراطية العربية الوحيدة التي خرجت من الثورات العربية في عام 2011. والبلاد الوحيدة التي تصنف الآن على أنها "حرة" من قبل "بيت الحرية"، وهي منظمة أميركية تتولى تحليل الحريات المدنية والحقوق السياسية".

هذه الديموقراطية هي مشكلة مرتبطة مع الإسلام كأيديولوجيا سياسية حديثة وضعت في القرن العشرين بمصر، لـ"معالجة التخلف في الشرق الأوسط بالمقارنة مع الغرب، حين التقى الآباء المؤسسون لجماعة الإخوان المسلمين، منهم حسن البنا الذي مات رميا بالرصاص في عام 1949، وسيد قطب الذي أعدم من قبل الحكومة المصرية في عام 1966، لكن أفكارهم تجذرت في كافة أنحاء الشرق الأوسط بعد الفشل المتكرر للأنظمة الاستبدادية المبشرة بالأفكار الاشتراكية والقومية العربية، وها هي فروع جماعة الإخوان تمثل الآن الحركات السياسية المهيمنة من المغرب إلى تركيا إلى قطاع غزة".

"الجمهورية الإسلامية": ديمقراطية دينية؟

والصراع بين إسلاميين يدعون إلى الإشتراك بالعملية السياسية والإنتخابات، وآخرين يشددون على "الدولة الإسلامية، ورفض الديموقراطية كونها بدعة كافرة"، وجد مثالا في إيران بعد ثورة عام 1979، مثلما هناك سعي إلى التوفيق بين طرفي الصراع، عن طريق "الجمهورية الإسلامية". ومع ذلك، فإن "النظام الإيراني أوكل إلى المؤسسة الدينية الشيعية في البلاد، سلطة حولت المؤسسات الديموقراطية في البلاد والمسؤولين المنتخبين الأعلى إلى جانبها مثلما منحتها حق اصدار القرارات الكبرى. السلطة في نهاية المطاف تقع بيد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وليس بيد البرلمان".

وبحسب التقرير فإن "الثورة الإيرانية أدت إلى الانقسام الطائفي في المنطقة وقد ثبت أنها عقبة أخرى إلى الحياة السياسية الديموقراطية. من جهتها تقدم المملكة العربية السعودية، نفسها بوصفها راعية للسنة وللمواقع الاسلامية المقدسة (معظم المسلمين من السنة)، لتدخل في تنافس شديد مع إيران الشيعية، عبر معارك ضد مع حلفاء طهران من اليمن إلى سورية إلى العراق الذي شهد هيمنة شيعية تفاقمت بسرعة تحت سلطة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي رفض تأمين مخاوف السنة مما دفع الكثير منهم إلى أحضان الدولة الاسلامية. في سورية، العلويون والأقليات الأخرى يواصلون دعم الرئيس بشار الأسد على الرغم من وحشية نظامه، خوفا من فعل ظهور حكم أغلبية سنية ربما يؤدي إلى إبادتهم".

*الصورة: مؤيدو الرئيس التركي أردوغان/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة: