متابعة حسن عبّاس:
في الأيام الماضية، ظهر الخلاف السياسي بين مصر والسعودية إلى العلن على الرغم من أن الدولتين حرصتا على تركه طي الكتمان لفترة طويلة.
وظهر الخلاف مع قرار شركة أرامكو السعودية وقف إمدادات البترول إلى مصر للشهر الجاري وإعلان الرياض استياءها من تصويت القاهرة في مجلس الأمن إلى جانب مشروع قرار روسي تعارضه المملكة.
تحالف وتعارض
وقدّمت الرياض، الداعم الأكبر لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساعدات اقتصادية كبيرة للقاهرة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محد مرسي عام 2013، إلا أن مواقف البلدين لم تكن منسجمة في بعض الملفات الإقليمية مثل الملفين السوري واليمني.
وساهمت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، مطلع نيسان/أبريل الفائت، في تجاوز الفتور في العلاقات خصوصاً مع توقيع عشرات الاتفاقات الاستثمارية بنحو 20 مليار دولار، إضافة إلى اتفاق لإمداد القاهرة بالنفط لمدة خمس سنوات بكلفة 23 مليار دولار.
الخلاف الأخير
لكن تصويت مصر السبت، 8 تشرين الأول/أكتوبر، لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن حول الوضع في سورية لا توافق السعودية عليه، أعاد الخلاف إلى العلن.
وقدّمت روسيا مشروع قرار يطالب بوقف القتال في مدينة حلب السورية من دون أن يلحظ وقف القصف الجوي الروسي والسوري على الأحياء الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة في المدينة. ورفض مجلس الأمن المشروع الروسي، لكن لفت تصويت مصر لصالحه.
وقال الكاتب الصحافي المصري عبد الله السناوي لوكالة الصحافة الفرنسية إن "هنالك دوماً حديث عن تحالف استراتيجي بين القاهرة والرياض. وهذا غير صحيح".
وأضاف أن "التحالف الاستراتيجي يعني وجود تفاهمات في الملفات الإقليمية، وهو أمر غير موجود بين الدولتين في الملفين السوري واليمني. الخلاف الآن انفجر وظهر للسطح".
بدوره، اعتبر الكاتب السعودي البارز جمال خاشقجي أن "مصر لا ترى خطر الإيرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم للرئيس السوري بشار الأسد في سورية والحوثيين في اليمن.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن "السعودية تسامحت مع الموقف المصري مراراً وتكراراً. وأعتقد أن ما حدث في تصويت الأمم المتحدة هو القشة التي قصمت ظهر البعير".
وقف إمدادات البترول
بعد عملية التصويت في مجلس الأمن على مشروع القرار الروسي، قال مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي "كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى التوافق العربي من موقف المندوب العربي (المصري)".
ويُعدّ هذا أول انتقاد سعودي علني وصريح للسياسة المصرية.
وبعد يومين من تصويت مصر إلى جانب مشروع القرار، أعلن المتحدث باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز أن "شركة أرامكو السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول شفهياً مطلع الشهر الجاري بوقف إمدادات البترول لشهر تشرين الأول/أكتوبر دون إبداء أي أسباب".
ويحتاج السوق المصري شهرياً إلى 6.5 مليون طن من المنتجات البترولية تستورد منها الدولة 1.75 مليون طن، 40 في المئة منها من السعودية وحدها.
وبرغم تأكيد عبد العزيز أن "أرامكو أبلغتنا بالأمر قبل جلسة مجلس الأمن، وأن الأمر تجاري وليس سياسياً"، يُبرز القرار توتراً واضحاً في العلاقات.
خلفيات سياسية للقرار؟
ويُبدي الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني اعتقاده بأن "أموراً سياسية" تقف خلف قرار أرامكو.
وقال الغيطاني، الباحث في مركز العالم العربي للأبحاث والدراسات التقدمية المستقل في القاهرة، لوكالة الصحافة الفرنسية "لا أظن أن هنالك أي مشكلة فنية في الشركة السعودية. ولم نسمع عن أي وقف مماثل من أرامكو لدول أخرى".
وأوضح السناوي "في سورية، الموقف المصري يناقض الموقف السعودي"، مشيرا إلى أن "مصر مع وحدة الأراضي السورية وضد تفكيك الجيش السوري وضد كل الجماعات المعارضة المسلحة ومنها جبهة النصرة التي تساندها السعودية ولها دور في تدريبها وتمويلها"، على حد قوله.
وقال السفير السابق السيد أمين شلبي، المدير لتنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية وهو مركز بحثي مستقل في القاهرة، إن "السعودية موقفها حاسم تجاه رحيل بشار الأسد وترى في ذلك حلاً للأزمة، بينما مصر مع الحل السياسي للأزمة وأحد عناصره بشار الأسد".
وتستضيف القاهرة باستمرار لقاءات لمعارضين سوريين يدعمون الحل السياسي.
من جانب آخر، تأخذ الرياض على القاهرة مشاركتها المحدودة في التحالف العربي الذي يتصدّى للمتمردين الحوثيين في اليمن، منذ إعلانه في آذار/مارس 2015.
وتشارك مصر بقوات جوية وبحرية في التحالف، وأعلنت أنها ستدعم السعودية بقوات برية إذا كان ذلك ضرورياً. لكن ذلك لم يحدث حتى اللحظة ربما لخشيتها من التورط أكثر في اليمن الذي يحمل ذكريات سيئة للجيش المصري الذي تدخل في اليمن في الستينيات، وتكبّد خسائر فادحة.
وعلى الرغم من كل ذلك، يرى محللون أن الرياض لن تتخلى نهائياً عن مصر.
وقال خاشقجي "السعودية تشعر بالقلق حول مستقبل مصر... الأمور لا تسير بشكل جيد اقتصادياً. ومع الركود السياسي، هناك قابلية لأزمة جديدة في مصر، ولا أحد يتمنى أزمة أخرى في المنطقة".
*الصورة: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659