متابعة حسن عبّاس:
يخوض الفارون من مدينة الموصل العراقية رحلة شاقة للوصول إلى الحدود مع سورية، ومنها إلى مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية. يسيرون في منطقة صحراوية لمسافة تمتد إلى أكثر من مئتي كيلومتر، ويضطرون لقطع جزء كبير منها سيراً على الأقدام.
ولكن رحلة أخرى من المعاناة تبدأ مع وصولهم. مئات منهم لا يجدون مكاناً آمنا يأويهم، بل يجدون أنفسهم عالقين في منطقة تقع على بعد أكثر من كيلومترين من مواقع داعش في الجهة العراقية وعلى بعد أمتار من حواجز لـ"قوات سوريا الديمقراطية" التي تضم مقاتلين أكراداً وعرباً في الجهة السورية.
وفي انتظار السماح لهم بمواصلة مسيرتهم إلى المخيم، يعيش البعض في المنطقة الحدودية ظروفاً مأساوية، في ظل ارتفاع الحرارة نهاراً وانخفاضها ليلاً في هذه المنطقة الصحراوية الخالية.
اقرأ أيضاً:
التطرف يرسم صورا كاريكاتيرية عن الله والنبي
داعش يحتجز 550 عائلة ويستغلها دروعا بشرية
ويفترش بعض اللاجئين الأرض بينما يصنع آخرون لأنفسهم خيماً من أقمشة مهترئة. ويجلس الأطفال إلى جانب ذويهم على أكياس من الخيش، يتناول بعضهم البسكويت في ظل نقص كبير في المواد الغذائية والمياه، ويحوم الذباب على وجوههم ويغطي التراب أقدامهم الحافية. كما أنهم يفتقدون إلى المياه الضرورية للشرب والاستحمام.
ومنذ إعلان السلطات العراقية عملية عسكرية واسعة لطرد تنظيم داعش من مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وأبرز معقل للإرهابيين منذ عام 2014، نزح الآلاف من السكان نحو مناطق أكثر أمناً وتوجّه عدد منهم نحو سورية المجاورة برغم الحرب الدائرة فيها.
على خط النار
في منطقة رجم الصليبة الحدودية في محافظة الحسكة في شمال شرق سورية، يلف شاب لاجئ وجهه بكوفية سوداء وصفراء اللون، فهو لا يريد أن يظهر في الصور خوفاً على مَن بقي من أهله تحت حكم داعش في الموصل، ويقول "أحياناً تسقط قذائف هاون، وقد أصابت إحداها عائلة عراقية".
ويضيف "الاشتباكات تتواصل ليلاً نهاراً، نحن هنا في خطر".
ويفصل اللاجئين عن حواجز قوات سوريا الديمقراطية خندق بعمق ثلاثة أمتار وعرض مترين، كان الهدف منه أساساً إعاقة وصول الإرهابيين بآلياتهم أو دراجاتهم النارية من العراق إلى سورية، بحسب ما يقول مسؤولون أكراد.
وبالقرب من الخندق، يلفّ شاب عراقي آخر وجهه بكوفية سوداء اللون، ويقول بعصبية "الآن بدأ إطلاق النار والعائلات خافت وفرّت باتجاه الخندق".
ويتساءل بانفعال "مرض ابني من الحر. لماذا لا يساعدوننا ويأخذوننا إلى مخيم الهول؟ نحن هنا على خط النار".
في المقلب الآخر من الخندق، يقف عناصر قوات سوريا الديمقراطية بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة خلف حواجز ترابية. ويشرح أحدهم أن ثمة "إجراءات أمنية" ينبغي القيام بها قبل إرسال اللاجئين إلى مخيم الهول.
وتخضع عملية دخول اللاجئين الهاربين من الموصل إلى المخيم لإجراءات أمنية احترازية خشية تسلل إرهابيين.
ظروف قاسية
وفي محاولة للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة، يجول أحد اللاجئين وهو يضع كرتونة على رأسه، ويحمل آخرون أغراضهم التي تمكنوا من إحضارها معهم في أكياس خيش فضلاً عن البطانيات والفرش التي يبحثون عن مكان ليضعوها فيه.
وتفترش نوال، محاطة بعشرات الأطفال والنساء، الأرض، وهي تلبس عباءة سوداء تحتها ثوب بني فضفاض. وتروي المأساة التي تعيشها منذ أكثر من عشرة أيام قبل أن تنفجر بالبكاء قائلة "ذبحنا الحر والجوع نهاراً والبرد ليلاً".
وتعمل إدارة مخيم الهول حالياً على توسيعه استعداداً لاستقبال الفارين من معركة الموصل.
وحذّرت الأمم المتحدة مع بدء الهجوم على الموصل من نزوح أكثر من مليون شخص مع تطور عمليات القتال، ما قد يتسبب بأزمة إنسانية كبرى.
ووصل 912 عراقياً إلى مخيم الهول خلال الأيام الماضية، وفق ما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتحت خيمة صغيرة مصنوعة من قماش مهترئ ودعامات من عبوات المياه البلاستيكية المثبتة فوق بعضها البعض، يجلس الرجل الخمسيني إبراهيم الخلف مع ستة من أفراد عائلته.
وقال بغصّة "نعاني العطش هنا منذ أسبوع، سعر صندوق المياه 500 ليرة سورية (دولار تقريباً) ولا يمكن أن نتحمل كلفته، كما أن سعر ثلاث ربطات من الخبز يصل إلى ألف ليرة سورية، ولا يمكننا أن نشتريها".
وختم قائلاً "هربنا من الظلم ونتمنى ألا نُظلم هنا".
(بتصرّف عن وكالة الصحافة الفرنسية)
*الصورة: طفلتان نازحتان من الموصل/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659