صعدتُ الإيرباص "A321" التابعة لشركة "لوفتهانزا"، بمشاعر مختلطة، وربّما مرتبكة بين الثقة والخوف والتوتّر
صعدتُ الإيرباص "A321" التابعة لشركة "لوفتهانزا"، بمشاعر مختلطة، وربّما مرتبكة بين الثقة والخوف والتوتّر

بقلم رحمة حجة

الزمان: 15/4/2016

المكان: مطار الملكة علياء الدولي في عمّان، الأردن

لم يكن في قاعة المطار شيءٌ مثيرٌ للفضول أو الانتباه، سوى امرأة تفرد ألعاب طفلها البالغ ثلاثة أعوام، على الأرضية، ويلهوان، ليقترب مني ويمدّ نحوي بعض ألعابه داعياً إيّاي لمشاركته. حتى جاءت شابة أخرى، لم يأل جهداً في دعوتها أيضاً. ثم تسهم الاثنتان في محادثة صرتُ أنا خارجها.

صعدتُ الإيرباص "A321" التابعة لشركة "لوفتهانزا"، بمشاعر مختلطة، وربّما مرتبكة بين الثقة والخوف والتوتّر. أتمسّك بآخر ضوء من شوارع عمّان، قبل أن نصبح في قلب العتمة.

ليس ثمّة ما يمكن مشاهدته، سوى أفكار عدة عن أشباح قد تبتلعنا فجأة دون أن يعلم بنا أحد، ونحن في هذا "الفَوق".. ولا تغادرني أمّي في عناقها الأخير، ولمعة عينيها الدامعتين، ودعواتها ووصاياها الكثيفة التي أقابلها أحياناً باستهتار أو بجلافة، مختصرة عليها الطريق بقول "صار عمري 30".

لا نوم.. عينان مقفلتان تسترخيان حيناً وتنقبضان أحياناً، وفق ما أريد إفلاته أو التمسك به من ذاكرتي.

نُطلّ مع الشروق على ألمانيا، إلى جانب مطر خفيف يصطاد رؤوسنا أثناء انتقالنا من الطائرة لباصٍ يُفترض أن يصلنا بقاعات الانتظار. هذا ما توقعته. لكنّه أخذنا إلى الطريق فقط. وهناك تهنا أنا وامرأة خمسينية أنيقة من مدينة السلط الأردنية، ندلّ بعضنا البعض على وجهتينا. سألنا أحد الموظفين ليدلنا إلى الطريق الصحيح. وسرنا نكرر تعليماته حتى وصلنا أخيراً، عبر ممرات عدة، إلى السوق الحرة، لنستدلّ بعدها بسهولة عبر الإشارات والأسماء إلى قاعتها.

سعادة تغمرني، فلم يبق سوى القليل.. نصف الخوف تلاشى، وظلّ نصفٌ آخر..

خمسُ ساعات مرّت مثل "اللا شيء"... متاجر عديدة ومفتوحة على بعضها البعض. أتمشّى بينها أتفحّص الأسعار وأقارنها بما عهدته، وتبدو البضائع التقليدية الألمانية رخيصة جداً مقارنة بالماركات العالمية من ملابس وعطور ومستحضرات تجميل وغيرها.

قبل صعود البوينغ "777"، اصطف الركاب في خمسة صفوف من أجل الإجراءات النهائية التي تمرّ بأربعة أشخاص. وربما كانت هذه اللحظة الأصعب، لأنني ومن دون مبرر واضح توقعت أن أعود خائبة بسبب خلل ما قد يظهر فجأة بين أوراقي. وحين ألقى الموظف الأخير أمنية "رحلة آمنة" مبتسماً، عبرتُ الممر الواصل بين المطار والمقعد "40G" في الطائرة كالخيال، مسرعة إلى قدَري، لأجلس إلى جانب زوجين، يبدوان في أواخر عقدهما الخامس من العمر.

في سيره لجلب المشروبات لنا، ابتسم مضيف الطيران، وسألني "من أين أنتِ" فأجبته: فلسطين. فقال "واو جميل". سألته: هل تعرفها؟ فقال "طبعاً".

أمامنا الآن ٨ ساعات ونصف في إحدى طائرات شركة "اليونايتد أيرلاينز"، التي تحتل النصيب الأكبر في تشغيل مطار دالاس الدولي بواشنطن. وها أنا أقضيها في التنقل بين مختارات الشركة من أفلام درامية ووثائقية وكتب مقروءة ومسموعة، إضافة إلى الأغاني والفيلم الذي اخترت مشاهدته كاملاً "أسماني ملالا".

مواضيع ذات صلة: