مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) حسناء جهاد بو حرفوش:
بغض النظر عن التركيبات الحكومية المتعاقبة في لبنان وشبيهاتها في العالم العربي، لا يخفى على أحد أن مشاركة المرأة في الحكم لا تزال متواضعة جدا، كي لا نقول شبه معدومة.
وفيما العالم يحافظ على تأهبه ازاء محاربة الفكر الداعشي من جهة واتهام الأنظمة الغربية الجديدة بالعنصرية من جهة أخرى، لا بد من الاستمرار بالتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء تغييب دور المرأة والاصرار على اخضاعها لشرائع المجتمع الذكوري؟
قبل كل شيء، دعونا ننظر إلى مؤهلات المرأة بقليل من التجرد. فهي بتركيبتها الجسدية قادرة، بنعمة من الخالق، على أن تتحوّل بكل كيانها إلى بيئة حاضنة للمواليد الجدد، ومنهم الذكور والإناث أيضا (لتذكير البعض)! وهي بتركيبتها العاطفية قادرة على استيعاب ضغوطات الحياة (وأهمها القيام بواجباتها ازاء العائلة والأطفال على وجه الخصوص)، دون أن تبدو للحظة “ناقصة عقل”. وهنا نتوقف عند هذه العبارة التي يلعب الذكوريون على وترها لتبرير أشكال عنصريتهم. فبأي معنى ينعت البعض النساء بـ”ناقصات العقل” (والجدير بالذكر أن العبارة تستكمل بناقصات الدين أيضا)؟
المشكلة تكمن في الأساس في إصرار هؤلاء على الأحاديث الدينية من دون العودة إلى سياقها الصحيح، وهو سياق (دون الخوض فيه) يذكر بأن ما ينطبق في حالة ما لا يعمم بالضرورة على كل الحالات.
وأكثر من ذلك، لا بد من التذكير بأن الاسلام لم يحتف فقط بدور المرأة في الحياة الزوجية كشريكة لزوجها، بل قدّس قدرتها وقوتها على لعب دور الندّ. وأكبر دليل على ذلك نجاح خديجة زوج الرسول محمد (ص) في الأعمال التجارية وتمسك النبي بنصائحها على المستويين الشخصي والعملي. ومع ذلك، قد نقع اليوم على فتاوى “تحرّم” مشاركة المرأة في الحياة السياسية. ولسخرية القدر، لا بأس في الفكر الداعشي من مشاركتها في القتال أو في خدمة الرجل المحارب (وهو عمل لا يقل شقاءً عن سواه). فلنتفكر في هذا الوضع، لأن تأمله يؤكد على إيمان الرجل (المتطرف) بقدرة المرأة واتكاله عليها. يبقى أن تدرك هذه الأخيرة ما هي قادرة على فعله.
بالأمس، رأينا الفتيات الأيزيديات وقد نجحن في الفرار من براثن الاتجار بالبشر. فما بالكم بالنساء القادرات على التحرك واحداث فرق كبير حقا؟ لقد آن الأوان منذ زمن لتتحرك المرأة وتعي قدرتها على احداث التغيير. ولا تنسوا أن “المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها” وأن “الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق” عبارات جميلة تربط المرأة بدورها في الانجاب وانشاء الاجيال. كلا، فلنتذكر أيضا أن ديمومة هذا الدور تتطلب المتابعة خارج اطار المنزل. ولذلك فلنرفع صوتنا عاليا، نساء ورجالا، لنطالب بالمرأة الأم والوزيرة والرئيسة والمحللة والناقدة، لأننا مسؤولون أمام التاريخ عن اهدار طاقتها و”تعويد” الأجيال القادمة على غيابها.
عن الكاتبة: حسناء جهاد بو حرفوش، دكتوراه في الآداب الحديثة، متخصصة في المدونات اللبنانيّة (1914-2014) في جامعة السوربون الفرنسية وجامعة بيروت العربية. حائزة على ماجستير في الأدب الفرنكوفوني. حائزة على منحة “ميد أكوي” للتفوّق العلمي. صحافية ولها عدة ترجمات. أستاذة محاضرة في عدة جامعات لبنانية في اللغات الأجنبية والكتابة الإبداعية في الإعلام الحديث والمسرح، ولها مشاركات ومنشورات في مؤتمرات ثقافية.
لمتابعة حسناء على فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.