حسناء جهاد بو حرفوش
حسناء جهاد بو حرفوش

مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) حسناء بو حرفوش:

لا يقل الشامتون بضحايا الأحداث المؤلمة والعابرة للعالم عن الإرهابيين المنفذين لكل هجوم ضد الإنسانية. فالواقع أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منبرا للـ"قيل والقال" والتحليلات الشخصية السخيفة بمعزل عن أية قواعد منطقية للحوار وأية آداب للتواصل.

قبل أيام، اهتز الكيان الإنساني مجددا مع استهداف أناس مسالمين قصدوا تركيا لتوديع عام واستقبال عام جديد. وما أن ضرب الإرهاب ضربته، حتى انهال العديد من مستخدمي الإنترنت بتعليقاتهم على الشبكة العنكبوتية، متناسين أن ما هو وهمي تقنيا يخلّف أثرا حقيقيا ويصعب محوه في النفوس.

البداية من صراع الأديان الذي يتلطى خلفه الباحثون عن الفتن بحجج مختلفة: الإرهابي يرتدي لباس "سانتا" أو "بابا نويل"، رمز عيد الميلاد والرداء الأكثر بروزا في هذه الفترة من العام. لكنه أيضا رمز السلام والعطاء، فـ"سانتا" الآتي من أقصى بقاع الأرض على متن عربته السحرية، لا يمكن إلا أن يحمل المفاجآت الجميلة! واذا بصورة "سانتا" الجميلة تذوي خلف دوي الرصاص العشوائي والتعليقات الرصاصية على الإنترنت. فبالنسبة لبعض المتصفحين، لا يقل هذا الهجوم دناءة عن الحروب ضد الديانة المسيحية، عن طريق تشويه رموزها. تفتح صفحات الفيسبوك، فترى مناصري هذا القول يجزمون بانتصار القيامة ولو بعد حين. ولكن لا خير في هذه النعرة، إذ أن المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو التمسك بوحدة مسار الأديان لا اختلافها. لهؤلاء أقول: ليس لكم من فضل في دينكم، أنتم من اعتنقتموه بالوراثة لا عن قناعة.

وفي المقلب الآخر، نجد الشامتين، أولئك الذين يعينون الإرهاب على ترهيب أبناء ملتهم. هؤلاء اتخذوا مثالا لهم مقتل شاب وهو يتجه إلى الجامع لأداء فريضة الصلاة، ومقتل آخر فيما كان يرقص في ملهى ليلي، وتزاحموا على رجم الناس بتسميات مختلفة. لهؤلاء أيضا أقول لا خير في هذه النعرة: "دعوا الأديان لرب الأديان" وكفى عبثا بخفايا النفوس، لأن من رحلوا هم قبل كل شيء أبناء الحياة، ورحيلهم موجع كثيرا لذويهم.

وبين الفريقين، يأتيك من يجادل في تسمية الضحايا بين "قتلى" و"شهداء"، بحجج دينية أيضا. كما يأتيك من يفاخر في منح الرحمة لذلك أو ذاك، علما بأن الأديان السماوية كلها أتت برسالة الرحمة، وأن معاصي الناس درجات وأن لهذا المنبر أهله من العلماء. فبأي عذر يسخر البعض من حق الآخرين بالرحمة؟ وأين هي حرمة الموت من كل ذلك؟  

إن التركيز على التخبط في المعتقدات الدينية إنما يبعد المتابعين عن القضية الأساس: إن كان الإرهاب السياسي يستهدف المكان والزمان، فإنه لا يجب أن يفوتنا أن الإرهاب بالمطلق لا يعترف بحرمة المكان والزمان ولا برب المكان والزمان. لذلك لا بد من تفادي الوقوع في شرك الفتنة لأنها تغذي أسلحة المتطرفين. وإن سألك أحدهم عن التطرف، فلا تنس أن تذكر أنه الميل للشر. فكيف يتم ربطه بالدين وهو المبني على زرع الخير؟

وليحفظ التاريخ أن خسارة الأبرياء مفجعة للجميع لأن رحيل المزيد منهم يعني تفوق الشر عددا وعدة علينا في هذه معركة الإنسانية..

عن الكاتبة: حسناء جهاد بو حرفوش، دكتوراه في الآداب الحديثة، متخصصة في المدونات اللبنانيّة (1914-2014) في جامعة السوربون الفرنسية وجامعة بيروت العربية. حائزة على ماجستير في الأدب الفرنكوفوني. حائزة على منحة “ميد أكوي” للتفوّق العلمي. صحافية ولها عدة ترجمات. أستاذة محاضرة في عدة جامعات لبنانية في اللغات الأجنبية والكتابة الإبداعية في الإعلام الحديث والمسرح، ولها مشاركات ومنشورات في مؤتمرات ثقافية.

لمتابعة حسناء على فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

مواضيع ذات صلة: