من أصواتكم - صافيناز مرشد
من أصواتكم - صافيناز مرشد

بقلم صافيناز مرشد:

حدثني صديق عن رحلته الأخيرة التي أعاد بها اكتشاف نفسه. عن الروحانية الجديدة التي اكتسبها والطمأنينة التي طالما تاقت نفسه إليها، وأخيرا وجدها. فصديقي أمضى أسبوعين في أحد معابد الهند. يصحو مع بزوغ الفجر وينام مع أفول الشمس. يفترش الحصير ويأكل القليل. يبدأ يومه وينهيه بممارسة اليوغا. ويسخّر وقت فراغه للتأمل في السماء والجبل والطير والشجر.

في الأشرام (دَيْر للتعبّد والتعلم لدى الهندوس)، تخلى صديقي عن رغباته الدنيوية. استبدل قهوته بالشاي والكلام بالابتسام. تحدى قابليات جسده وفكره في رحلة بحث في أعماق داخله. أوصلته أخيرا إلى تحرير روحه وإطلاقها في سماء الحب والسلام.

يحدثني صديقي بشغف عن تبعات رحلته التي لم تنته بعد؛ فهو الآن بصدد إعادة ترتيب جميع حياته وفق ما تعلم من انضباط. يحدثني وأحاول جاهدة أن أتابع كلامه احتراما لمشاعره. ويكد عقلي محاولا أن يفهم. اليوغا الموجودة منذ آلاف السنين. شعبيتها تكبر في مجتمعنا كل يوم؛ ففيها العنصر الروحاني لإعادة التوازن الكامل بين الجسد والعقل والروح. وفيها رياضة بدنية بفوائد جمة دون الأخذ بالاعتبار ارتباطها بعقائد طائفية أو مذهبية.

لكن اليوغا في مجملها -وخاصة "يوغا الهاثا" (وتعني كلمة هاثا: القوة)- تشابه صلاتنا من ركوع وسجود وتركيز وخشوع، فما الذي يدفعنا إلى ممارسة اليوغا لننعم بصفاء هو أدعى أن نجده في صلواتنا الخمس؟ بل نسافر لمعابد الهند وغيرها بحثا عن الروحانية والحرمين الشريفين أقرب إلينا؟

في مناسبات كهذه تتجدد حاجتنا لمراجعة الخطاب الديني. فالإسلام شرع لنا أساليب عدة في الدعوة. والإنسان مجبول على حب ما يُطمئن نفسه وينفر من ما يفزعها. من هذا المبدأ، تكمن أهمية الترغيب في الدين في زمان ساد فيه استغلاله على أيدي أناس ذو مفهوم قاصر محدود. وفي ظل تردد عبارة تجديد الخطاب الديني لمواجهة الفكر الإرهابي التكفيري الذي نعاني منه، نحن بحاجة إلى صياغة فكر جديد لا يقتصر على مواجهة الأفكار المتطرفة وتحصين الشباب منها، بل يركز على جذب وتحبيب الخلق في العبادات بعيدا عن أسيسة الدين.

راحة النفس وانشراح الصدر غاية نسعى إليها جميعنا. والإسلام في حقيقته وأصله دين سلام جاء لنفع الناس. وصلاتنا أدعى أن تمدنا بالروحانية والطمأنينة التي ننشدها. فالله تعالى يقول في سورة الرعد "ألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". 

عن الكاتبة: صافيناز مرشد، كاتبة سعودية تكتب باللغتين العربية والإنكليزية. حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الموارد البشرية. تعمل أخصائية تخطيط استراتيجي وإدارة مشاريع.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

مواضيع ذات صلة: