بقلم رحمة حجة:
"- تعلمنا منك قبل سنوات، أنه في حال تساوي شخصين مع ثالث فجميعهم متساوون، والآن ثلاثتنا متساوون وطيبون، بالتالي أنتِ مسيحية مثلنا.
- سينسيوس، أنت لا تستطيع نقد أو مساءلة ما تؤمن به، لكنه (النقد) أمر ضروري لي".
من حوارٍ بين هيباتيا، وهي عالمة الرياضيات والفلسفة، مع طالبها المسيحي، أواخر القرن الرابع الميلادي، وكانت مصر آنذاك خاضعة للإمبراطورية الرومانية.
آمنت هيباتيا بالفلسفة.. لم تكن وثنية أو يهودية أو مسيحية. لكن ما الثمن الذي دفعته بالمقابل؟
"ساحرة ملحدة"
جسّدت الممثلة البريطانية Rachel Weisz دور هيباتيا في الفيلم الإسباني الناطق بالإنكليزية (Agora 2009)، الذي وثّق مرحلة تاريخية من الصراع الديني، بين المسيحية والوثنية واليهودية.
كرسّت هيباتيا حياتها للعلم، وكانت المُلهمة، والمعشوقة التي لم تعشق أبدا، فهمومها كلّها منصبّة تجاه اكتشاف ما لم يصله السابقون والتأكد من نظريات، أو دحضها بأخرى جديدة. وكان لها مُريدوها المتزايد عددهم بمرور الوقت، ما سبّب قلقاً للكنيسة، خصوصاً مع علاقتها القوية بوالي المدينة أوريستوس، الذي تتلمذ على يدها وفق السياق الدرامي، وكما رجّحت مصادر تاريخية.
نظر المتشددون المسيحيون إلى العالمة باعتبارها ساحرة وملحدة، ليتم قتلها بعد رفضها الإذعان، في مشهديّة قاسية تم توثيقها تاريخياً واستلهمها الفيلم.
في الفيلم: سيقت هيباتيا من قبل جماعة من المسيحيين الغاضبين، وكان دافوس (عبد والدها سابقا، متشدد مسيحي حالياً) يتبعهم محاولاً أن يحميها، لتطلب إليه أن يقتلها تجنباً للعذاب، فهي لن تنجو على أية حال، ليقتلها دافوس خنقاً، ودموعه تخنقه، ثم يأتي حشد غاضب يقذفها بالحجارة.
وفي وصف الكاتب المصري يوسف زيدان لمشهد موتها في روايته "عزازيل":
امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أياد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرأ، واتسخ بالدماء والتراب (...) على ناصية الطريق الممتد بحذاء، صاحت عجوز شمطاء تلوح بصليب: اسحلوا العاهرة... وكأن العجوز نطقت بأمر إلهي! صارت هيباتيا عارية تماما، ومهانة تماما لا أعرف من أين أتوا بالحبل الخشن الذي لفوه حول معصمها، وأرخوه لمترين أو ثلاثة، ثم راحوا يجرونها به وهي معلقة من معصمها... وهكذا عرفت يومها معنى كلمة السحل التي أوحت به المرأة إلى بطرس القارئ وأتباعه.
أحرقوا المكتبة
بعد اعتداءات وإساءات متبادلة بين مسيحيين ووثنيين، يهجم المتشددون المسيحيون على مكتبة الإسكندرية، بأسلحتهم وصُلبانهم، ويغادرها الجميع من الطلبة والسكان والأعيان الوثنيين، لكن هيباتيا تحاول لملمة ما يمكنها لملمته من مخطوطات وكتب، ولم تنجح.
يهدمون تماثيل العلماء والآلهة، ويدمرون رفوف الكتب ويلقون ما فيها أرضاً ويمزقونه ثم يجمعونه ويحرقونه.
إنها لحظة احتفالية بالقضاء على المعرفة، على ما بدا في هذا المشهد المُرعب من الفيلم.
هل تحرر؟
كان دافوس عبداً لثيون والد هيباتيا، وهو آخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم".
ملازمة دافوس لهيباتيا جعلته شغوفاً بالعلم الذي تقدمه، ليصنع نموذجاً يحاكي نظرياتها في علم الفلك. هي تنبهر به، ولكن بعد شجار بين وثني ومسيحي، تقول هيباتيا "الشجار للعبيد.."، وأثناء حرق المكتبة حين يحاول هو نجدتها، تصرخ في وجهه ليساعدها في جمع الكتب، وتنعته بالأبله، مكررة كلمة العبد والعبيد.
يتحول إلى الدين المسيحي بحثاً عن الحرية، لكنه يصبح قاتلاً، ويظهر في أحد المشاهد، ووجهه وسيفه يقطران دماً، حينها حاول جاهداً ألا تراه هيباتيا.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659