رغم ما تعيشه ليبيا من انقسام سياسي وأوضاع أمنية غير مستقرة، اختار عشرات من الشبان المغاربة شد الرحال إلى هناك، حالمين بالعبور منها إلى القارة الأوروبية.
رحلتهم لم تكن سهلة، كيف لا وقد وضعوا أيديهم في يد عدد من المهربين الذين وعدوا بنقلهم من المغرب مرورا بالجزائر وتونس إلى ليبيا، ومن هناك إلى قوارب الموت باتجاه إيطاليا.
"غادر ابني دون علمي.. دفعته البطالة إلى الذهاب إلى هناك، لكنه وقع فريسة مهربين يطالبوننا اليوم بالفدية"، يقول اسماعيل السملالي، والد أحد المغاربة المحتجزين في ليبيا.
رحلة إذن لم تكتمل بالنسبة للعشرات من المغاربة الذين غادروا المملكة منذ حوالي عام، ولم يتحقق هدفهم في ركوب البحر، بل تحولت رحلتهم إلى كابوس بعد وقوعهم في يد جماعات تحتفظ بهم في ملاجئ بعضها تابع لمليشيات مسلحة.
وبكثير من الحرقة، يضيف السملالي لموقع قناة "الحرة" "نظرا لأنني لا أعيش مع أمه، لم يخبرني بأنه سيذهب إلى ليبيا.. بعد أن غادر وتأكد خبر احتجازه هناك، نزل الخبر كالصاعقة على أمه، ما تسبب في مرضها".
ويقول الأب الذي يبلغ من العمر 60 عاما، إن أحد المهربين طلب من العائلة مؤخرا دفع 1000 دولار للاستمرار في تأمين قوت يومه. "اضطررنا لدفع المبلغ وسبق لنا أن دفعنا مبالغ أخرى، مع أننا نقوم بوقفات احتجاجية للمطالبة بترحيله إلى المغرب، إلا أنه (الابن) يطلب منا أن نتوقف عن ذلك، ربما يواجه ضغوطات من جانب المهربين".
وبحكم قرب الأب من 150 أسرة يتقاسم معها نفس المصير، يقول إن هناك عائلات أخرى لا تعرف أن أحد أبنائها محتجز في ليبيا. "يقول المهربون لأبنائنا إن هناك أملا في نقلهم إلى أوروبا. ولكننا نخاف أن يتم بيعهم أو أن تختطفهم إحدى المليشيات المسلحة"، يشرح الوالد لقناة "الحرة".
ودخلت العشرات من الأسر المغربية في سلسلة وقفات احتجاجية منذ حوالي شهر تقريبا، نفذتها أمام وزارة الخارجية والتعاون ووزارة الهجرة، للتنديد بما أسمته "مأساة إنسانية"، يعيشها أبناؤها المحتجزون في ليبيا.
وقدمت الأسر من مدن بني ملال وخريبكة، (وسط المغرب) إلى العاصمة الرباط، لرفع صوتها إلى المسؤولين المغاربة، ومطالبتهم بإعادة أبنائها إلى المغرب.
وعن هذه الوقفات يقول السملالي "نفذنا أول الأمر وقفات احتجاجية على الصعيد المحلي، ثم قررنا نقل الاحتجاج إلى العاصمة. أكد لنا وزير الهجرة أن هناك جهودا لإعادة الشباب إلى المغرب، لكنه قال أيضا إن هناك الكثير من المتدخلين ولا يعرف متى سيعودون إلى أرض الوطن. إنها مجرد وعود، نحتاج إلى تدابير ملموسة وبسرعة".
من جانبه، يؤكد عز الدين ثابت، وهو عضو تنسيقية الجالية المغربية في ليبيا، أن الكثير من الشباب المغاربة وقعوا ضحية مافيات وصفها بالخطيرة. وأضاف في تصريح لموقع "الحرة" أن "هناك مافيا منظمة تقوم بتنظيم الهجرة إلى ليبيا، للأسف الكثير من هؤلاء الشباب وقعوا ضحية عصابات الاتجار بالبشر".
ويضيف ثابت أن معظم المغاربة المحتجزين يوجدون حاليا في مراكز إيواء تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ويصل عددهم إلى أكثر من 500 شخص".
وتصطدم الجهود التي تقودها التنسيقية بغياب سفارة أو قنصلية مغربية في ليبيا.
"كمقيم في ليبيا، حاولت رفقة مجموعة من أعضاء التنسيقية البحث عن مغاربة توصلنا بصورهم وأسمائهم، واشتغلنا بهذا الشكل نظرا لغياب أي دعم من السلطات المغربية".
وينفي المتحدث أن يكون الهدف من ذهاب هؤلاء إلى ليبيا الانضمام إلى الجماعات المتشددة التي تنشط هناك، "أؤكد لكم أنهم يأتون إلى هنا بهدف الهجرة سرا إلى إيطاليا، يعقدون صفقة مع المهربين المغاربة الذين يسلمونهم إلى آخرين في تونس، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى ليبيا". في الآونة الأخيرة، توافد على ليبيا المئات منهم، لكنهم وللأسف سقطوا في فخ المهربين".
وفي الجانب الرسمي، قال المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة، إن هناك جهودا تبذل لإعادة المغاربة المحتجزين في ليبيا، مستشهدا بـ"عودة 200 مواطن منهم قبل عيد الأضحى الماضي".
ولا تخفي العائلات خوفها من أن يقع أبناؤها فريسة للجماعات المسلحة أو أن يتعرضوا للتعذيب.
"مراكز الإيواء التابعة لأجهزة الدولة تبقى الظروف فيها جيدة مقارنة بباقي المراكز الأخرى. لكن في السجون القديمة التي استولت عليها كتائب ومليشيات تحكم بعض المدن، أكيد هناك حالات تعذيب وتعامل غير إنساني"، يقول ثابث لموقع "الحرة".
وحتى لو أنهم لم يتعرضوا إلى تعذيب، يؤكد السملالي أن الأخبار التي وصلته من ليبيا تفيد بأن ابنه والعشرات من المغاربة يعيشون ظروفا مزرية، "هناك سوء تغذية، وهناك أيضا ظروف أخرى قد تؤثر على صحتهم"، قبل أن يضيف "نطلب من السلطات المغربية إعادتهم إلى المغرب، وبعدها فلتحقق معهم أو تباشر كافة الإجراءات التي تراها مناسبة، على الأقل سيكونون في أياد آمنة".
المصدر: موقع "الحرة"