بقلم عبد العالي زينون:
في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، تسلم أحمد التوفيق مقاليد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب خلفا لعبد الكبير العلوي المدغري (توفي قبل ثلاثة أشهر). الأول صوفي من الطريقة القادرية البودشيشية، والثاني ذو ميولات سلفية.
ما يزال التوفيق يقود وزارة الأوقاف منذ 15 سنة، بعد 17 سنة قضاها المدغري في منصبه. عايش الوزيران سبع حكومات، قادها وزراء يمينيون ويساريون وإسلاميون وتكنوقراط مقربون من القصر.
لم يكن التغيير الذي حصل سنة 2002 مجرد استبدال وزير بوزير آخر. كان إعلانا بانتهاء سياسة حكومية وبداية أخرى.
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لم يمنع تبني المغرب للعقيدة الأشعرية الحكومة من فتح الباب أمام التيارات السلفية.
كانت تلك "سياسة التجأ إليها المغرب ضد مد اليسار الراديكالي وتأثيرات الثورة الإيرانية"، يقول الباحث المغربي أحمد عصيد.
مع بداية الألفية الجديدة وأمام تصاعد التطرف السلفي، "انخرط المغرب في مشروع تحديث الإسلام عبر دعم التدين المغربي الشعبي المتجسد في الزوايا الصوفية"، يتابع عصيد. فجاء تعيين وزير لا يخفي انتماءه إلى إحدى أكبر الزوايا الصوفية على رأس وزارة الأوقاف.
المغرب نفسه يعتبر التصوف الجنيدي (نسبة إلى المتصوف أبي الجنيد البغدادي) أحد ركائز "الإسلام المغربي"، فهو يشكل ثابتا ثالثا إلى جانب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية.
ويُعرف المغرب بـ"بلد المئة ألف ولي" في إشارة إلى الانتشار الكبير للطرق الصوفية التي يعود بعضها إلى القرن الحادي عشر الميلادي. وتعد الطرق القادرية البودشيشية، والتيجانية، والعيساوية أكبر هذه الطرق وأوسعها انتشارا.
إسلام لا أطماع له!
على عكس الجماعات السلفية الجهادية التي تتبنى العنف أو تيارات الإسلام السياسي التي تطمح إلى الحكم سلميا، مثل جماعة العدل والإحسان أو حزب العدالة والتنمية، يتصف التصوف المغربي ببعده عن السياسة تماما وارتباطها الوثيق بالسلطة.
"إنه إسلام مسالم لا أطماع سياسية له. لا يسعى إلى استعادة دولة الخلافة أو الدولة الدينية. فلم يسبق لزاوية صوفية بالمغرب أن أعلنت عزمها الترشح للانتخابات أو دعم جهة سياسية معينة".
وفي الوقت الذي تعارض فيه جماعة العدل والإحسان إمارة المؤمنين التي أقرها دستور المغرب تتخذ الزوايا موقفا داعما لها. ويعتبر الملك في المغرب أميرا للمؤمنين وله سلطة دينية.
يصف الأنثروبولوجي المغربي فريد الزاهي الزوايا بـ"الحليف التقليدي للمخزن" (تعبير يطلق على الدولة في المغرب)، وبأنها "رهينة بالسلطة وبرغباتها الاستراتيجية".
في 2011، بالتزامن مع "الربيع العربي"، أعلنت الطرق الصوفية في المغرب دعمها للتعديلات الدستورية التي اقترحها الملك محمد السادس استجابة للتظاهرات التي جابت الشوارع المغربية. ونظمت الزاوية البودشيشية مسيرة ضخمة في الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب، معلنة دعمها للدستور الجديد، ودعت إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت الدستور.
"الزوايا والطرق الصوفية بنيات تمكن من ضبط المريدين، كما يمكن استغلال نفوذها في الأوساط الشعبية من أجل التعبئة التي تقوم به كلما احتاجت إليها الدولة"، يعلق الزاهي.
سور ضد الإرهاب
لا يقل الدور الاجتماعي للطرق الصوفية في المغرب أهمية عن دورها السياسي كداعم للسلطة في مواجهة المد السلفي وباقي تيارات الإسلاميين.
عزيز الكبيطي الإدريسي، رئيس المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية، يقول إن الزوايا تلعب دور الحاضن الاجتماعي لفئات فقيرة في المغرب.
ويوضح الإدريسي، وهو أحد مريدي الطريقة الحبيبية الدرقاوية، "الزوايا الصوفية كانت دائما ملجأ للفقراء خصوصا في المناطق المهمشة التي تفرخ الإرهاب.. وهي تقدم خدمات التوعية والنصح والارشاد للشباب وعموم المواطنين، إضافة إلى إيواء الكثير من الفقراء في مختلف الأضرحة والزوايا".
ويتابع "دخول الزوايا لهذه المناطق يفيد في القضاء على الفقر والأمية اللذين يعتبران حاضنين للإرهاب. وبالتالي فدعم الدولة للزوايا من خلال الهبات والمساعدات تكون غايته القضاء على المتربصين بهذه الفئات".
حضن حكومي
تحصل الزوايا في المغرب على هبات ملكية سنوية. قبل أيام، حصلت الزاوية القادرية البودشيشية بمدينة بركان (شرق المغرب) على هبة ملكية بمناسبة ذكرى المولد النبوي.
يقول عصيد "موالاة الزوايا الصوفية لإمارة المؤمنين في المغرب، ومخالفتها للنهج الوهابي والسلفي، وتركيزها على تكوين الفرد روحيا بعيدا عن الأطماع السياسية.. جعل الصوفية المغربية في صلب اهتمام الدولة".
وتفرد الدولة مساحة هامة للإسلام الصوفي في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي. وتقدم القناة السادسة (فضائية رسمية دينية) برامج صوفية أبرزها "كرسي الإمام الجنيد" لشرح "التصوف السني"، وتبث القناة الثانية (رسمية) برنامج "مقامات صوفية".
وتميز بشكل ملفت برنامج "السماع الصوفي" على إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية.
وتحتضن الدولة العديد من المهرجانات الصوفية التي تقام كل سنة، كمهرجان فاس للموسيقى الروحية ومهرجان الثقافة الصوفية في المدينة ذاتها.
ويوجه الملك محمد السادس رسائل ملكية إلى كبريات الملتقيات والندوات الصوفية في المغرب، مثل "ندوة الطرق الصوفية: الطريقة التيجانية" التي تعقد سنويا بمدينة فاس، و"ملتقى سيدي شيكر للمنتسبين للتصوف" الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كل سنة أيضا.
من جهتها، أطلقت الرابطة المحمدية للعلماء (رسمية) "مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة"، وتنشر مجلة تهتم بالتصوف باسم "قوت القلوب".
وبدورها، تسهر وزارة الأوقاف على دعم البحوث في مجال التصوف السني، وتتكلف سنويا بطبع ونشر عدد منها.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659