بقلم حسين عبد الحسين/ موقع الحرة
في الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام صدام حسين في العراق، توجه عدد من العراقيين بصورة عفوية إلى شارع حيفا في بغداد، حيث كانت تسكن غالبية خمسة آلاف فلسطيني كانوا يقطنون العراق. انهال العراقيون على الفلسطينيين وبيوتهم بالحجارة والنعال، وأجبروهم على الرحيل، فأسكنتهم الأمم المتحدة في مخيم طريبيل على الحدود مع الأردن، حتى تم تدبير إعادة توطنيهم في دول العالم، مثل بيرو ونيوزلندا.
الخطوة العراقية، على بربريتها، عكست إحباطا عراقيا عاما من "القضية الفلسطينية". قضى العراقيون عقودا يعانون من حكم أحد أكثر طغاة التاريخ دموية، فيما كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يزور بغداد ويستعرض جيش صدام إبان غزو الأخير الكويت. كانت بغداد تستضيف الفلسطينيين أبو نضال وأبو العباس وغيرهم من المرتزقة ممن وظفتهم استخبارات صدام واستخدمتهم لتنفيذ عمليات قتل وخطف في الشرق الأوسط والعالم.
ويوم زار رئيس حكومة العراق نوري المالكي واشنطن في صيف 2006، أدان في مؤتمره الصحافي مع الرئيس السابق جورج بوش في البيت الأبيض الحرب الإسرائيلية ضد "حزب الله" اللبناني، ووصفها بـ "عمليات تدمير يتسبب بها الهجوم الإسرائيلي على لبنان"، وكان ذلك قبيل إدلائه بخطاب أمام الكونغرس بغرفتيه، وتزامن مع إعلان تبرعات عراقية للفلسطينيين في غزة. وقتذاك، ثارت ثائرة العراقيين على مواقع الحوار السابقة لمواقع التواصل. اعتقد العراقيون أن "ما فيهم يكفيهم" وأن فقراءهم بحاجة للأموال التي أراد المالكي أن يتصدق بها على شعوب الجوار. أما اليوم، فالسيد نائب الرئيس نوري المالكي يعتبر خطاب ترامب حول القدس بمثابة "إعلان حرب" على العرب والمسلمين.
وقبل العراقيين، طرد الكويتيون الفلسطينيين من الكويت بسبب التأييد الفلسطيني لصدام. كانت التظاهرات في الضفة الغربية وغزة تهتف "يا صدام ويا حبيب دمر دمر تل أبيب"، فيما كان الكويتيون يختنقون بانبعاثات آبارهم النفطية، وهي ثروتهم الوطنية، التي كان صدام أضرم الحرائق فيها قبل انسحابه.
وقبل العراقيين والكويتيين، أشعل اللبنانيون حربا أهلية ضد الفلسطينيين، الذين أعلن قادتهم أن "طريق القدس تمر في جونيه"، رغم أن جنوب لبنان، الذي كانت الميليشيات الفلسطينية تحتله، كان ملاصقا لشمال إسرائيل، ويبعد عشرات الكيلومترات من جونية الشمالية.
بعد اللبنانيين، والكويتيين، والعراقيين، يراقب اليوم السوريون ”القدس“ وفي فمهم ماء. كيف يغضب العرب والمسلمون لنقل مبنى أميركي، ويلتزمون الصمت والسوريون يختنقون برائحة الأسلحة الكيماوية التي انتزعها مجلس الأمن الدولي من الرئيس السوري بشار الأسد؟
"دمشق، وبغداد، وصنعاء، وبيروت، كلها تحتلها إيران"، كتب صديقي السوري شعبان، مضيفا: "لما تزعلون على نقل مبنى سفارة من مدينة لمدينة؟ أمركم غريب".
على شريطي الإخباري في فيسبوك مرارة واضحة لدى السوريين من ردة فعل عدد كبير من العرب حول القدس، في وقت التزم هؤلاء العرب أنفسهم الصمت أمام صور السوريين قتلى وجرحى وأشلاء، تحت أنقاض بيوتهم ومخابزهم ومستشفياتهم.
"الفرق الوحيد بين الوجع السوري والوجع الفلسطيني أن التضامن مع الأخير مسموح، والمتاجرة به رابحة"، كتبت الصديقة علا، وأضافت أن "جماعة لا أحب الحديث بالسياسة لأني إنسان وفنان وحساس ورقيق ورفيق ينتفضون ويشتمون" إسرائيل بلا تردد، لكن "يصيبهم صمت مطبق أمام مجازر أولاد" سورية.
أما إياد، الزميل والصديق السوري العزيز، فأغاظه تهاون العرب في موقفهم تجاه روسيا "رغم أن روسيا نفسها اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، قبل شهر فقط من اعتراف أميركا بها، ورغم أنه سبق أن اعترفت روسيا بدولة إسرائيل عام 1948 قبل أميركا بسبعة شهور".
ومن السوريين من لم يعبّر عن موقفه تجاه القدس، والتزم بالصمت، مثل رضوان ومحمد وجمانا وإبراهيم وطه وعُمَر، أو نشروا على صفحاتهم على فيسبوك تعليقاتهم حول مواضيع أخرى غير القدس، مثل تعليقات عَمر حول قضايا التحرش الجنسي في الولايات المتحدة.
السوريون يعيشون مرارة عاشها قبلهم اللبنانيون والكويتيون والعراقيون، وهي مرارة سببها أنهم يرون العالم عموما، والعرب خصوصا، تثور ثائرتهم حول أصغر موضوع فلسطيني، ولكن يبقى صامتا حول مأساة سورية، بل يطالب العالم السوريين بتسوية سياسية مع قاتلهم في دمشق.
يوم أعلن الرئيس السابق جورج بوش بدء عملية "حرية العراق"، خرج العرب والأوروبيون ضد الحرب الأميركية، وخرجت غالبية العراقيين تأييدا للحرب والإطاحة بطاغوتهم. حتى حسن نصرالله، زعيم "حزب الله" ورجل إيران في لبنان، طالب بتسوية مع صدام، عدو إيران التاريخي. يومذاك شعر العراقيون بأن العالم تآمر ضدهم، وكانت أولى ردود فعلهم بعد التحرير أن رموا فلسطينيين أبرياء بالحجارة والنعال.
لا تستخفوا بمرارة السوريين. حتى لو كانت القضية الأخرى ذات قداسة وقدسية، فدم سوري واحد أقدس بكثير من أي مبنى، ديبلوماسيا كان أم إلهيا.
---------------------
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)