بقلم توفيق حميد/ موقع الحرة
يتشدق كثيرون من رجال الدين وشيوخ الأزهر الأفاضل وغيرهم من قيادات المؤسسات الدينية الإسلامية بأنهم ضد الإرهاب، والعجيب في هذا الأمر أن نفس رجال الدين يقومون بتدريس وقبول "حد الردة" الذي يعتبر في الحقيقة أساس الإرهاب وأكبر داعم فكري له.
فالإرهابي يقتل إنسانا آخر لا لشيء إلا لأجل فكره أو عقيدته المختلفة، وهذا ما يحدث تماما في حد الردة الذي بمقتضاه يتم قتل إنسان وإزهاق روحه ليس لارتكابه جريمة قتل أو اغتصاب بل - وفقط بل - لأنه ترك الدين.
وهذا يذكرني من ناحية بعصابات المافيا التي تقتل أعضاءها إن أرادوا التراجع عن الانضمام لها بعد دخولها، ويذكرني من ناحية أخرى بفرعون موسى الذي أراد أن يطبق حد الردة على نبي الله موسى حينما أراد أن يترك دين المجتمع آنذاك: "قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ".
وقد أستطيع أن أتفهم - ولكن بالقطع لا أقبل - منطق عصابات المافيا في قتل من يتركهم، وذلك ربما لأنه اطلع على أسرار معينة وهم يخشون إفشاءها، أما في حالة عدم قبول الدين أو رفضه فلا توجد في الأمر أي أسرار سيتم إفشاؤها.
ويحاول بعض رجال الدين تجميل حد الردة بتشبيههم له بالخيانة العظمى في الدول، وعقوبتها تصل أحيانا إلى الإعدام، وهذا المنطق المغلوط لا أساس له لأن حد الردة يطبق على أناس لم يفشوا أسرارا لأي عدو، فكل ما في الأمر أنهم اكتشفوا أشياء في الدين تدعوهم لتركه أو أنهم رفضوا ما يسميه رجال الدين بالمعلوم من الدين بالضرورة، مثل الصلوات الخمس أو صيام شهر رمضان أو غيرها من المسلمات الدينية، وكما نرى فلا توجد أي أسرار حربية خطيرة في رفض هذه الأشياء!
وينبري بعض رجال الدين لتجميل وتحسين صورة الدين الإسلامي أمام الغرب بأن يكذبوا على السائلين الذين يسألونهم عن هذا الحد. فكثيرون على سبيل المثال لا يزالون يتذكرون جيدا كيف رد شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب على صحافية ألمانية حينما سألته ذات يوم عن حد الردة في الإسلام، فكان جوابه أنه ليس موجودا في القرآن (وهذا صحيح!) من دون أن يذكر لها أنه موجود في كتب السنة، وأنه حد أساسي في الشريعة الإسلامية، وقبلت الصحافية المسكينة الرد باقتناع وذلك لجهلها بحقيقة وأصل حد الردة في كتب السنة.
وقد كان أحرى بشيخ الأزهر أن يقول لها الحقيقة كاملة، ولا يخفي منها شيئا لأن في ذلك نوعا من الخداع للآخرين، لن يستمر كثيرا لأن أي باحث في الأمر سيصل بسهولة إلى الحقيقة حول وجود وقبول حد الردة في الشريعة الإسلامية حتى يومنا هذا.
كنت أتمنى أن أرى شيخ الأزهر يؤيد حرية العقيدة كما جاءت في القرآن في قوله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (سورة البقرة 256)، وقوله جل وعلا "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (سورة الكهف 29)، وأن يقف بوضوح ضد أحاديث البخاري في هذا الشأن، والتي تعارض القرآن مثل "من بدل دينه فاقتلوه"، و"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (رواه البخاري ومسلم).
ولكن كيف للرجل أن يفعل ذلك ويعلي القرآن على كتب الحديث في وجود مبدأ معروف عند أهل السنة والحديث بأن "السنة تنسخ قرآنا ولكن القرآن لا ينسخ سنة"؟!
وكما ذكرنا في بداية المقالة، فإن قبول حد الردة الذي يبيح قتل إنسان مسالم بسبب فكره المختلف أو رفضه للدين كله أو لبعض مبادئه يؤسس لفكر الإرهاب، وهو بدوره يبيح قتل أناس آمنين ومسالمين لا لشيء إلا لأنهم يختلفون عن الإرهابي في فكره أو عقيدته فيراهم مرتدين عن دينه لذا يبيح قتلهم! فحد الردة هو البذرة الفكرية التي تثمر وتنتج حنظل الإرهاب في عقل المتطرف.
أما آن الأوان لرجال الدين الإسلامي ليعلوا من شأن القرآن، ويبطلوا أو يوقفوا حد الردة حتى لا يتم صنع إرهابيين جدد يقتلون غيرهم لأنهم يرونهم كفرة أو خارجين عن الملة؟
كفانا نفاقا، فلا يمكن أن نكون صادقين في مواجهة الإرهاب ونحن ندرِّس ونبارك أسسه الفكرية مثل "حد الردة".
-----------------
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)