في خطاب هام بواشنطن كشف الرئيس دونالد ترامب رسميا قبل أيام، عن استراتيجية إدارته الجديدة للأمن القومي. الوثيقة التي تحمل الاستراتيجية، وهي الأولى من نوعها منذ 2015، تطرح رؤية للأمن الأميركي مقنعة ومختلفة كليا عن تلك التي كانت سائدة في عهد أوباما.
وتتمحور استراتيجية ترامب الجديدة حول أربع أولويات متمايزة:
الأولى هي حماية الأراضي الأميركية من تهديدات راهنة تتراوح بين أسلحة دمار شامل وأيديولوجيات متطرفة وقدرات عسكرية متنامية لأنظمة معادية. ولمواجهة هذه التهديدات، تنص الوثيقة على أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى نشر أنظمة دفاع صاروخي متطورة، وتعزيز بنيتها التحتية الأساسية، وتشديد إجراءات تأمين الحدود، بل وستحتاج كذلك إلى حملة واسعة طويلة الأمد ضد الإرهاب حول العالم، مصممة لاقتلاع تهديدات الجهاديين "من المنبع".
ثاني الأولويات لاستراتيجية ترامب هي تعزيز الازدهار الاقتصادي الأميركي. وسيتطلب ذلك اتخاذ خطوات داخلية لحماية قاعدة الابتكار والتجديد في الولايات المتحدة من أجل ترسيخ الريادة الأميركية في المجالات التكنولوجية الحيوية ولاستغلال الموقع القيادي للولايات المتحدة في سوق الطاقة العالمية. في الخارج، توضح الاستراتيجية أن واشنطن تخطط لاستخدام نفوذها للضغط من أجل نظام اقتصادي دولي أكثر إنصافا.
ثالثا، تدعو الاستراتيجية الجديدة إلى سياسة تحقيق "السلام عبر القوة" لردع طيف واسع من الأعداء، بما في ذلك أنظمة مارقة كإيران وكوريا الشمالية، وعدد من الجماعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية وقوى منافسة على النفوذ كروسيا والصين. وتوضح الاستراتيجية أن التعامل بكفاءة مع هذه القوى سيتطلب توفير موارد أكبر للجيش الأميركي وكذلك الاستعداد للتنافس بشكل أكبر في ميادين مثل الفضاء السيبيري.
وأخيرا، سيسعى البيت الأبيض لزيادة النفوذ الأميركي دوليا عبر عدد من الاستراتيجيات التنافسية، من خلال تمكين الشركاء الإقليميين ليكونوا قادرين على اتخاذ مواقف أكثر حزما في الساحة الدولية. ولتوطيد هذه الجهود، تؤكد الوثيقة، سيكون خط دفاع قوي عن الحريات السياسية والدينية وعن رؤية الولايات المتحدة بوصفها "منارة للحرية والفرص" لحياة أفضل.
ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة للشرق الأوسط؟ عندما يتعلق الأمر بسياسات الولايات المتحدة في هذه المنطقة، فإن هذه المبادئ سيتم التعبير عنها على الأرجح بثلاث طرق:
تفاعل سياسي أكبر
في ظل إدارة أوباما، ابتعدت الولايات المتحدة عن المنطقة، وجلست في المقعد الخلفي إزاء حل النزاعات الإقليمية (كما في حالة الحرب الأهلية في سورية)، واتخذت موقف المتفرج من التحولات السياسية كالتي صاحبت "الربيع العربي". استراتيجية ترامب، على النقيض، ترى أن على أميركا فعل ما هو أكثر من ذلك. هذه الاستراتيجية تدعو لمقاربة "واقعية" تروج للإصلاحات التدريجية في دول المنطقة، وتساعد على تقوية الدول الحليفة، وتقوم بدور أكثر فاعلية في عمليات السلام الإقليمية (ومن بينها على الساحتين السورية والإسرائيلية-الفلسطينية).
تشجيع الدينامية الاقتصادية
بالتناغم مع خلفية الرئيس في مجال الأعمال التجارية، تتخذ استراتيجية ترامب الجديدة لهجة رأسمالية صريحة بترويجها لـ "منافع انفتاح الأسواق والمجتمعات" بالنسبة لبلدان المنطقة. وفي حالات عديدة، تقول الاستراتيجية بوضوح إن هذا يعني المساعدة في تحديث الاقتصادات المحلية. لكن ذلك سيتطلب أيضا الحديث عن المظالم السياسية والاقتصادية التي تغذي القوى المتطرفة. بعبارة أخرى، يرى البيت الأبيض تحت إدارة ترامب في الأمن الاقتصادي أمنا وطنيا للولايات المتحدة ولشركائها الإقليميين.
وجود أكثر زخما
ابتعاد أميركا عن الشرق الأوسط في عهد أوباما تضمن سحبا للقوة العسكرية من المنطقة، وهو التوجه الذي أشاد به مؤيدوه وقتذاك، باعتباره "تصحيحا" لحجم الوجود الاستراتيجي الأميركي في المنطقة. لكن هذا الانكماش لم يكن من دون ثمن، إذ خسرت واشنطن القدرة على تشكيل الأحداث الإقليمية. إدارة ترامب ترى بوضوح أن هناك حاجة إلى دور للولايات المتحدة يكون أكثر انخراطا في شؤون الشرق الأوسط، ويشمل ذلك استثمارا سياسيا وعسكريا أكبر للحلفاء الإقليميين ووجودا عسكريا أقوى على الأرض من أجل مواجهة التنظيمات الإسلاموية العنيفة، ودحر النفوذ الإيراني الضار في المنطقة.
بكل تأكيد، لن يحل أي من هذه التغييرات بين ليلة وضحاها. وحتى لو تم الالتزام بهذه الاستراتيجية علينا أن نتوقع أن تثمر عن وجود أميركي في الشرق الأوسط مختلف جدا عما عهدناه في العقد الماضي.
ــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)