لا يمر برنامج تلفزي ديني مخصص للإفتاء في إحدى القنوات العربية التي تُبث من الشرق الأوسط دون اتصال مغاربيين يطلبون فتاوى عن نوازل خاصة بهم.
لماذا يلجأ مغاربيون إلى رجال دين بالشرق لإفتائهم في أمور دينهم، رغم أنه توجد ببلدانهم مؤسسات فتوى وعلماء دين؟ وهل يؤدي ذلك إلى تسرب فتاوى تحرض على التشدد؟ ولماذا لا تبادر الدول المغاربية إلى إحداث مؤسسة فتوى موحدة؟
عقدة تاريخية
يكمن أهم سبب وراء اهتمام شباب مغاربيين برجال دين من المشرق العربي، للاستفتاء في أمور الدين، حسب المستشار الأسبق بوزارة الشؤون الدينية، عدة فلاحي، إلى "عقدة نقص تاريخية بين المشرق والمغرب".
ويلاحظ فلاحي أن "المغرب الكبير يحس، تاريخيا، بعقدة نقص تجاه كل ما هو مشرقي، كما أن الشعوب هنا بمنطقتنا مولعة بالمشرق".
ويشير المستشار الأسبق بوزارة الشؤون الدينية إلى ما اعتبره تقصيرا من الدول المغاربية الحالية تجاه هذه الظاهرة، إلا أنه يقول إنها تعود إلى مئات السنين.
"كان يُلقب المفكر الناجح من المنطقة المغاربية باسم من نبغ في الميدان ذاته بالمشرق، فكان يقال عن الشاعر المتميز من المغرب متنبي المغرب أو بحتري المغرب"، يقول فلاحي مضيفا: "وهذا دليل على ولعنا بالمشرق".
ويتابع المتحدث ذاته في تأكيده لـ"ولاء المغاربيين اللا إرادي"، حسب تعبيره، للمشرق بقوله: "أذكر هنا تعليق الجاحظ على 'كتاب العقد الفريد' الذي ألفه المعتمد ابن عباد الأندلسي قائلا: بضاعتنا ردت إلينا"، هذا تعليق ينم عن استعلاء ضفة على ضفة أخرى، نتج عنها ولاء لا إرادي وغير مبرر، ما زال مستمرا لغاية اليوم".
'تبعية' دينية
علاقة المشرق بالمغرب داخل ما صار يُعرف بالعالم الإسلامي، كانت وراء استمالة الجيل الجديد من المغاربيين من طرف دعاة ورجال دين مشارقة، بينهم متشددون، وقد كان للاستعمار الذي تعرضت له المنطقة قسط من المسؤولية، بحسب أستاذ التاريخ بجامعة جيجل، محمد نوبلي.
"الاستعمار خلق نوعا من الجمود، وبقي العالم الإسلامي المغاربي يأخذ بضاعته من المشرق"، يردف نوبلي.
وفي سياق تحليله، يشير أستاذ التاريخ إلى عدة أمثلة بينها سفريات أئمة المنطقة المغاربية، إبان الاستعمار الفرنسي والإيطالي، للشرق، وعودتهم ببعض اجتهادات رجال الدين بالمشرق العربي.
"بعض علمائنا، مثل ابن باديس، كانوا يبحثون عن الحفاظ على الانتماء الديني للمغاربيين، وقد سافروا بحثا عن العلم بالمشرق، وأتوا ببعض اجتهادات المشارقة"، يستطرد نوبلي.
أما أستاذ الإعلام بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، عبد العالي رزاقي، فيضيف معطى آخر، ويتعلق الأمر بـ"ظهور الفضائيات الذي أسهم في انتشار الفتوى العابرة للبلدان".
وبحسب المتحدث، فإن مرحلة منتصف التسعينات، شهدت خروج العديد من القنوات الفضائية الدينية، والتي كانت تخصص أوقاتا قياسية لحصص الفتاوى، التي أصبحت ملاذ الكثير من المغاربيين، "إذ وجدوا فيها ما لم يجدوه في التلفزيونات الحكومية التي كان همها التطبيل للسلطة"، حسب قوله.
ويتابع رزاقي قائلا: "فتاوى القتل، التي انتشرت في أوساط شباب الجزائر، كثيرا ما جاءت من جهات خارجية. لم يفت فيها شيوخ جزائريون، ولا علماء المذهب المالكي بالمغرب وتونس".
ويطالب أستاذ الإعلام الحكومات المغاربية بـ"دعم دور الفتوى، أو الاتفاق على دار إفتاء موحدة، تضمن احترام الوسطية التي ورثها المغاربيون عن أجدادهم".
توحيد الفتوى
أما المستشار السابق لوزارة الشؤون الدينية بالجزائر، عدة فلاحي، فيُذكر بالملتقى الفكري المغاربي الذي عقد بموريتانيا في 2010، وجمع وزراء الأوقاف المغاربيين، الذين أوصوا بإنشاء قناة فضائية مغاربية خاصة بالإفتاء، طالما أن أغلب شعوب المنطقة يدين بالمذهب المالكي "المعروف بسماحته ووسطيته، وحرمة الدماء عند متبعيه"، حسب المتحدث.
ويضيف فلاحي، مركزا حديثه على وضع الإفتاء في الجزائر، داعيا إلى تحقيق إجماع جزائري بخصوص إنشاء دار فتوى، لأن "الجزائريين أكثر المغاربيين تأثرا بفتاوى المشارقة"، على حد تعبيره.
أما رئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، غالب ابن الشيخ، فيرى أن تنظيم الفتاوى من شأنه "وقف إمداد المشهد الإجرامي بمتطرفين جدد".
وفي الوقت الذي يؤيد فيه ابن الشيخ فكرة اعتماد مرجع موحد للإفتاء بالمنطقة المغاربية، يؤكد أن "نشر تعاليم الإسلام الصحيحة أصبح من الصعوبة بما كان، بسبب عدم اكتراث الشباب للخطاب السمح لصالح التفاف غير مشروط بكل ما هو تشنج ورفض للآخر".
"لا بد من نشر ثقافة الحب والإنسانية الحقيقية للإسلام، ثم اعتماد مرجعية موحدة قوامها الاحترام والحب والحياة"، يردف ابن الشيخ مشيرا إلى أن "تجفيف منابع أموال المنظمات المتطرفة، يجب أن يصحبه جهد كبير في تجفيف قنوات الفتاوى الجاهزة".
المصدر: أصوات مغاربية