أثارت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أرودغان هذا الأسبوع إلى السودان ردود فعل واسعة، ليس لأنها الأولى لرئيس تركي إلى هذا البلد منذ استقلاله عام 1956، وليس بسبب توقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية، بل بسبب قضية جزيرة سواكن.
فقد أثار الانتباه خبر تسليم جزيرة سواكن الساحلية إلى تركيا "لإعادة تأهيلها"، كما قالت مصادر رسمية سودانية، وهي جزيرة واقعة على البحر الأحمر الذي يشكل محط شد وجذب بين العديد من الدول نظرا لموقعه الاستراتيجي وأهميته لأمن المنطقة.
ولسواكن بعد تاريخي إذ إنها كانت مقر الحاكم العثماني في الفترة بين عامي 1821 و1885 وقد استخدمتها الدولة العثمانية كمركز لقواتها البحرية.
تكهنات وتساؤلات
قال أردوغان خلال زيارته إلى الخرطوم، وهو يقف إلى جانب نظيره السوداني عمر البشير: "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم والرئيس البشير قال نعم". وأضاف أردوغان أن "هناك ملحقا (للاتفاق) لن أتحدث عنه الآن".
وفتحت الجملة الأخيرة بالذات "التكهنات" ورفعت سقف التساؤلات حول مغزى تلك الخطوة.
وقال المحلل السياسي خالد عبد العزيز لموقع "الحرة" إنها "رسالة مبطنة" من تركيا لـ"خصوم أنقرة" وتحديدا مصر والسعودية. وأضاف أن "لتركيا قاعدة عسكرية في الصومال وكذلك في قطر، وتسعى إلى مد نفوذها العسكري على الأرجح بإنشاء قاعدة مماثلة في سواكن".
واتهم عبد العزيز أنقرة بالسعي "لاستعادة أمجاد الخلافة العثمانية" من خلال البحث عن موطئ قدم لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في إفريقيا بعدما فشلت في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن البشير نفسه وافق على تسليم سواكن لتركيا لإظهار استيائه من حلفائه في الخليج.
وتردد مؤخرا في الأوساط السودانية أن السعودية والإمارات مارستا ضغطا على البشير كي لا يترشح في الانتخابات القادمة، ما أثار بحسب محللين حنق البشير ودفعه إلى الطلب من روسيا إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو.
وأشار المحلل السياسي عبد العزيز إلى أن البشير لم يحظ بالدعم الاقتصادي المرجو من دول الخليج لتعزيز الاقتصاد السوداني "المنهك"، ولا الدعم السياسي "الكافي" لرفع العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده وعلى رأسها شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
المعارضة تطالب بتدخل عربي
ورفضت المعارضة السودانية في الداخل نتائج زيارة أردوغان والتقارب المستجد بين أنقرة والخرطوم، خاصة أن الزيارة تزامنت مع عقد رؤساء الأركان في كل من السودان وتركيا وقطر الاثنين الماضي اجتماعا حول التعاون العسكري بين الدول الثلاث.
ويحذر القيادي بحركة تحرير السودان عبد الحليم عثمان من الروابط الأيديولوجية التي تجمع الأنظمة الحاكمة في الدول الثلاث، ويرى آخر التطورات مؤشرا على "توجه جديد وطموح عريض لمنظومة الإخوان في المنطقة".
وأضاف لموقع "الحرة" أن "قطر تمثل مركز الإسلاميين، والسودان هو المدخل والأداة"، بينما تمثل تركيا قيادة "التوجه الإسلامي الجديد بالمنطقة".
ويتسق قول عثمان مع تحذير القيادي بـ"الحركة الشعبية شمال" مبارك أردل في تغريدة من تحويل السودان إلى ساحة معركة للإخوان ضد مصر.
واعتبر عثمان أن الوضع يستدعي تدخلا عاجلا من دول "الاعتدال" لمواجهة المد الإخواني في المنطقة قبل فوات الأوان.
قلق مصري
تنظر مصر بعين القلق إلى التطورات الجارية بالقرب منها. ووصفت المحللة المصرية المتخصصة في الشأن السوداني أسماء الحسيني تسليم سواكن للأتراك بـ"غير المسؤول" وقالت لموقع "الحرة" إن الأمن المصري القومي متعلق بالبحر الأحمر.
وأشارت إلى أن اتخاذ مواقف "غير محسوبة" بإدخال تركيا إلى هذه المنطقة سيوسع هوة الخلاف بين القاهرة والخرطوم وسيؤجج الوضع في المنطقة "على حساب مصالح ضيقة للنظام السوداني لن تعود عليه إلا بالخسران".
"كل دولة تعمل لصالحها"
واستبعد القيادي في الحزب الحاكم ربيع عبد العاطي كل تلك المخاوف وقال لموقع "الحرة" إن ما قامت به الحكومة السودانية "اقتضته علاقات الدولة في الوقت الراهن وكل دولة تعمل لصالحها، وليس بالضرورة أن يكون ذلك موجها لإلحاق الضرر بدول أخرى".
لكن محللين يرون أن تسليم منطقة سواكن لتركيا خطوة غير مأمونة العواقب ومناورة "خطيرة". ويقولون إن احتفاظ البشير بقوات سودانية في اليمن كورقة ضغط على السعودية التي تحتاج إليها في الحرب الدائرة هناك، فيما يعزز تحالفه الأمني والسياسي مع دول "مناهضة" لها، قد يعود بتداعيات خطيرة ونهايات مفتوحة على كل الاحتمالات، ليس على النظام الحاكم في السودان فحسب بل على المنطقة بأسرها.
خاص بـموقع الحرة/