لقاء في جنيف بين دي ميستورا والمعارضة السورية ـ أرشيف
لقاء في جنيف بين دي ميستورا والمعارضة السورية ـ أرشيف

بقلم عبد الحفيظ شرف/​ موقع الحرة

عاشت سورية سنوات من الظلام والظلم لم تشهد مثلها من قبل، فانتشر الجهل والفساد وكممت الأفواه واستشرى الخوف الشديد بين الناس وتحولت سورية الحضارة والثقافة والتاريخ إلى سورية الأسد، وحاول الأسد الأب أن يختزل هذا الشعب العظيم بشخصه ليحول سورية من واحة  للحضارة والثقافة والجمال إلى مستنقع من الظلم والخوف والدكتاتورية. و بعد أن قتل عشرات الآلاف في سنوات حكمه و ذاع سيط ورعب سجونه في العالم كله انتقلت السلطة إلى ابنه الذي لم يكن له حضور و ثقل كاف في الحياة السياسية السورية وكأننا نعيش في ظل حكم ملكي وراثي وليس في جمهورية لها نظامها ودستورها. ولكن في ظل الدكتاتوريات عليك أن تتوقع كل شيء.

وبعد عشر سنوات من حكم الأسد الابن والذي اقتدى بوالده فاستمر في مسيرة التجهيل والظلم للمجتمع السوري، وفي ظل التغيرات الكبرى التي حصلت في الجوار العربي ما بين تونس ومصر، تحرك الشعب السوري مستلهما من تحركات الشعوب التي غيرت الحكام وقلبت أنظمة الحكم الدكتاتورية سواء في المنطقة أو في العالم ليعلن رفضه للقمع والكبت وليطالب بحريته وكرامته كاسرا حاجز الخوف والرعب الذي صنعه هذا النظام الدكتاتوري. وما هي إلا أيام حتى كشر النظام السوري عن أنيابه وبدأ بتطبيق الحلول الأمنية التي لا تقيم أي وزن لبشر ولا لحجر فقتل الكثيرين واعتقل آلافا وأرهب الشعب بدبابات جيشه التي أدخلها إلى المدن ليسكت صوت الشعب. وعندها بدأت المعارضة السورية السياسية بتشكيل هيئاتها ومجالسها لتمثل الشعب السوري الذي كان يتطلع إلى جو من الحريات والديموقراطية فتشكل المجلس الوطني السوري المعارض والذي تم بناؤه على أساس حزبي وطائفي وتم توزيع المقاعد فيه بطريقة تؤدي إلى تعطيله وعدم فاعليته وكان المعارضون السوريون يسعون إلى مناصب وجاه شخصي أكثر بكثير من مصلحة البلد والشعب. وهنا أود أن أذكر قصة بسيطة حصلت بيني وبين رئيس المجلس الوطني عند تأسيسه وهو شخص أحترمه وأحترم تاريخه النضالي الطويل، ولكن عندما سألته عن خطته للمجلس الوطني وعن المكاتب التي سيؤسسها لتقوم بالعمل كمكتب للإعلام ومكتب آخر للعلاقات الخارجية، فاجأني بجواب لم أكن أتوقعه أبدا وهو أنه ليس لديه المال الكافي لراتب سكرتيرة فما بالك بتكاليف هذه المكاتب. فقلت له وقتها فلماذا أسستم هذا المجلس الذي وضع على عاتقه تمثيل السوريين أمام حكومات العالم وهو لا يملك مقومات النجاح؟ فقال لي ربك سييسر.

ثم احتدم الصراع السياسي وأثبت المعارضون السوريون فشلهم على مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية والمالية وعلى مستوى التخطيط ورسم المستقبل والتواصل مع التوجهات المختلفة والأحزاب داخليا في سورية، ولم تنجح في توحيد الجبهات ضد بشار الأسد. وبالفعل وكما توقعت وقتها انتهى دور المجلس الوطني السوري بفضائح مالية وسياسية و اختلافات داخلية أدت الى شبه شلل داخل أروقة المجلس الذي اختار أعضاؤه عدم التفرغ للعمل لصالح الشعب السوري بل فضلوا الاستمرار في أعمالهم في الدول المختلفة فكانت الاجتماعات التي تحدد مصير بلد وشعب تكون على سكايب أو على وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات المغلقة وليست في مقر المجلس الوطني، وعندها تداعت دول الإقليم لتشكيل ائتلاف جديد يمسح هذه الصورة القاتمة التي تسبب بها المجلس الوطني ولكن المصيبة الكبرى أن الائتلاف الوطني بني على نفس الأسس والأعمدة التي شكلت المجلس الوطني، وتوقع المعارضون نتائج مختلفة ونوعية بالرغم من أن المدخلات هي ذاتها وما هي إلاّ أيام معدودة حتى دبت الخلافات من جديد في هذا الجسم الوليد الذي ترأسه الدكتور معاذ الخطيب والذي يتمتع بشعبية كبيرة، وبالرغم من أنه كان محسوبا على الإسلاميين إلا أن "الإخوان المسلمون" هم من أفشلوه و بدأوا باتهامه في وطنيته ووصل بعضهم إلى اتهامه بالعمالة للنظام السوري لموافقته على التفاوض مع النظام في حينها، مع أنهم هم أنفسهم قبلوا بذلك بعد فترة بسيطة وأحب هنا أن أذكر أن الإخوان المسلمون كانوا سببا رئيسيا في إفشال المجلس الوطني كذلك. وما هي إلاّ أشهر قليلة حتى أثبت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أنه نسخة طبق الأصل من المجلس الوطني في فشله السياسي والتنظيمي.

مع الأسف الشديد فإن المعارضة السورية فشلت في توحيد الشعب السوري بكافة أطيافه وأعراقه ووقعت في المصيدة الاستراتيجية التي صنعها النظام بتحويل الحراك الشعبي من حراك مطالب بالحرية والديموقراطية إلى حراك بصبغة آيدولوجية دينية. ثم تبادل على رئاسة الائتلاف شخصيات مختلفة من باب إرضاء كل الأطراف وكأن هذا المنصب هو مجرد هدية تراضي للأطراف المختلفة ومنصب فخري يحصل عليه المعارضون كشكر لهم على حسن معارضتهم وكثرة ظهورهم على شاشات التلفاز.

وبعد فترة من الزمن بدأت محادثات جنيف بين المعارضة والنظام، وعندها احتدم النقاش بين مؤيد للمشاركة في هذه المحادثات ومعارض لها مع وجود من خون وكفر كل من شارك أو سيشارك في هذه المفاوضات، وتشكلت حينها هيئة التفاوض واختلف الشركاء على رئاسة الهيئة فاضطرت الدول الإقليمية للتدخل مجددا لحل هذه الأزمة وعقد مؤتمر الرياض وتم عرض عدة مناصب على الأطراف المختلفة لحل الأزمة، وكأن الهدف هو هذه المناصب وليست المفاوضات بحد ذاتها. وانطلقت المفاوضات في جنيف وأصبحت منبرا إعلاميا ودعائيا أكثر منه مركز مفاوضات رسمية. وبالتأكيد تلاعب النظام وماطل وكذب في كثير من الأحيان ولم تنجح المعارضة كذلك في كسب جولات التفاوض بسبب الخلافات الضخمة الداخلية وكذلك لأسباب كثيرة أخرى.

الخلاصة التي أريد أن أوصلكم إليها أحبتي هي أن هذا الشعب السوري العظيم يستحق معارضة أفضل بكثير تكون صوتا له في العالم وتعمل على تجميع الفرقاء بدلا من تفريق الأصدقاء وتعرف وبحرفية كبيرة كيف تقلل من الأعداء وتصنع المزيد من الأصدقاء، بالذات وأننا في حالة ضعف شديد ولسنا نفاوض من منطلق قوة سواء سياسية أو عسكرية أو تواجد حقيقي على الأرض وعلينا أن نتذكر دائما أن هناك الكثير جدا من المشاكل والتخوفات الدولية كالإرهاب ومرحلة ما بعد حكم الأسد وعلى هذه المعارضة أن تلتزم هي قبل غيرها بالشعارات والمبادئ التي سترفعها حتى تكسب الرهان وتكسب الحاضنة الشعبية من جديد.

وختاما أتمنى أن لا يفهم من انتقادي الحاد للمعارضة السورية أني أقف أو سأقف يوما في صف نظام بشار الأسد، بل على العكس تماما فإجرام الأسد فاق كل إجرام وأعتبره السبب الرئيسي لدمار سورية ولما وصلنا إليه اليوم. ولكني أنظر بواقعية إلى الأحداث وأتمنى للشعب السوري المحب للحياة والحرية دولة ديموقراطية تعطي الجميع حقوقهم في ظل عدالة ورخاء وازدهار، وأنا متيقن من رؤية هذا اليوم لأن الشعوب عندما تتحرك فسيستجيب القدر.

ـــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

 

مواضيع ذات صلة: