بقلم شيرزاد يزيدي/ موقع الحرة
شيئا فشيئا، تتبلور ملامح التبني الدولي لتجربة روج آفا كردستان - شمال سورية الفيدرالية، وأتت تصريحات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مؤخرا حول خططهم لمرحلة ما بعد داعش في مناطق الشمال السوري لتؤكد شروعهم في تكريس تواجدهم الدبلوماسي والسياسي والإنمائي هناك، وبما يسهم في تجفيف منابع الإرهاب وضمان قطع دابره، ولتضع حدا للغط والتفكير الرغبوي بالتمني لدى الأوساط المستاءة من تطور التجربة الديموقراطية في روج آفا وعموم الشمال إن كان ذلك داخل سورية كالنظام البعثي وقوى "المعارضة" المشابهة له أو في بعض العواصم الإقليمية كطهران وأنقرة بالدرجة الأولى والتي ما انفكت تتحدث عن المصير المجهول لتلك المنطقة بعد هزيمة داعش وعن أن التحالف وعلى رأسه أميركا سيتخلى عن حلفائه في قوات سورية الديموقراطية ومظلتها السياسية مجلس سورية الديمقراطية ونموذجها التطبيقي: النظام الفيدرالي الذي هو قيد الإنجاز شمال البلاد، وأن واشنطن تستغل الكرد عسكريا دونما ضمانات سياسية لهم ولمجمل تجربة الشمال. وهكذا تنبؤات "واسعة" الخيال لم تعدم من يروج لها في الوسط الكردي نفسه خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وملاحقه الكردية السورية المندرجة في إطار المعارضة الطائفية المرعية في اسطنبول وكأن الكرد ومختلف شعوب شمال سورية التي قدمت آلافا مؤلفة من الضحايا في مقارعة داعش وأخواتها وصولا إلى دحرها في عقر عاصمة خلافتها المزعومة، هم مجرد جنود تحت الطلب وكأن قواتهم التي غدت مضرب مثل كوني في مراسها ودحرها الإرهاب تشتغل كأداة حرب بلا أهداف وبلا مرجعية سياسية وأخلاقية وحقوقية ناظمة لها ومحددة لبوصلتها.
فالوزير الأميركي تحدث عن وجود طويل الأمد وعن خطط تنموية وإعمارية ستخصص لها مليارات الدولارات للاستثمار في هذه المنطقة المؤهلة والمرشحة الوحيدة لقيادة التحول الديموقراطي السوري لاسيما وأنها تتوفر على طاقات وموارد بشرية وطبيعية ضخمة، وهي المنطقة الوحيدة التي نأت بنفسها عن الغرق في وحول الحرب الأهلية والصراع على السلطة عبر تطوير نموذج إدارة تشاركي وتعددي يجمع مختلف شعوب الشمال ومكوناته. فالتواجد الأميركي المضطرد عسكريا ومدنيا شمال سورية وقواعد واشنطن الجوية والعسكرية الممتدة امتداد الشمال من منبج وكوباني إلى رميلان في أقصى إقليم الجزيرة ورفع عديد الجنود الأميركيين إلى ألفي جندي بحسب البنتاغون، فضلا عن شحنات الدعم العسكري واللوجستي المتدفقة والمترافقة مع النصر شبه النهائي على داعش إثر تحرير الرقة، يتزامن مع مواصلة قوات سورية الديمقراطية تطهير الجيوب الداعشية المتبقية في منطقتي الرقة ودير الزور والمتوقع الفروغ منها مع نهاية الربيع.
فمع كل هذه الوقائع على الأرض والانتصارات العسكرية الاستراتيجية التي قصمت ظهر الإرهاب العالمي والمترافقة مع ترجمتها إلى آليات دعم وتطوير سياسي واقتصادي واجتماعي لشمال سورية من قبل التحالف الدولي بات واضحا أن التعاطي الدبلوماسي المباشر دخل حيز الإشهار والإعلان وصولا حتى إلى شكل من أشكال الاعتراف بالكيان الفيدرالي شمال سورية ورعايته ودعمه بوصفه نموذج الحل الديموقراطي السوري على أساس الاتحاد الطوعي التفاعلي لا الدمجي القسري بين الشعوب السورية، بل وثمة تسريبات وتلميحات تشير إلى قرب إقامة منطقة آمنة تشمل فيدرالية الشمال بحيث يغدو المس بها ممنوعا وصولا حتى إلى فرض حظر جوي لحماية المنطقة من أية تهديدات، إن من تركيا شمالا أو من النظام جنوبا، ففي ظل الاستعصاء الديموقراطي السوري والإقليمي عامة يغدو دعم بقعة الضوء السورية الوحيدة هذه وسط ظلام الاستبداد وظلامية الإرهاب ضرورة ملحة ومصلحة دولية لا ريب فيها.
ولعل التحذير الأميركي للنظام من مغبة الهجوم على قوات سورية الديموقراطية وتجاوز الخط الفاصل نحو شرق الفرات حيث المناطق المحررة من داعش على يد التحالف الدولي وتلك القوات، كان رسالة لكل من يهمه الأمر وهي جاءت كرد مباشر على تخوين بشار الأسد للكرد. والحال أن تبلور الدعم الدولي لشمال سورية ولنموذجها الفيدرالي يشكل الرافعة الأساسية لحل الأزمة السورية التي باتت على أبواب دخول عامها الثامن وفي ظل تحول سلاسل اللقاءات من جنيف الى أستانة لعروض مملة لتضييع الوقت والضحك على الذقون والرقص على دم السوريين من قبل أطراف مهجوسة بتقاسم السلطة وغنائمها دونما أدنى توق وسعي إلى التغيير الديموقراطي البنيوي وتمكين الحرية والمساواة.
ــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)