بقلم حازم الأمين/ موقع الحرة
دخل قيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق في العراق، إلى الأراضي اللبنانية من معبر غير شرعي. اصطحبه حزب الله إلى مواقعه في جنوب لبنان والتقط صورا لنفسه على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مرتديا ثيابا عسكرية وحاملا على خصره مسدسا ظهر في الصور على نحو واضح.
الرجل مرشح إلى الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في العراق قريبا، والجهة التي استضافته في لبنان ممثلة أيضا في المجلس النيابي اللبناني على نحو واسع، وفي الحكومة أيضا.
الصحافة الممانعة في بيروت ربطت بين زيارته الحدود اللبنانية الإسرائيلية وبين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. إذا علينا نحن قراء هذه الصحف أن نتخيل في ضوء هذه الزيارة ما خلفه الرجل في معنويات الإدارة الأميركية من اضطراب وتردد، وأن نتوقع تراجعا عن القرار.
الجديد في الزيارة هو أن الحكومة اللبنانية ادعت على الخزعلي بتهمة دخوله غير الشرعي للأراضي اللبنانية. لكن ثمة أشياء جديدة أخرى في موازاة هذا الحدث. فقد حكم القضاء اللبناني على الزميلة حنين غدار بالسجن ستة أشهر بسبب كلام لها في العام 2014 قالت فيه إن "الجيش اللبناني يميز بين الإرهاب السني والإرهاب الشيعي"! نحن هنا حيال صحفية قالت فكرة في شأن قضية يشاطرها الرأي فيها أكثر من نصف اللبنانيين، وأيضا حيال نجم حربين أهليتين واحدة في العراق وأخرى في سورية، دخل الأراضي اللبنانية عن طريق غير شرعي، وحمل سلاحاً، ولم يستأذن السلطات في مرابطته على الحدود، ذاك أن لبنان بحسبه جبهة مفتوحة، ومسرح رقص مذهبي، وما فكرة حنين غدار التي حُكم عليها بالسجن بسببها سوى افتراء بافتراء.
والحال أن لبنان هذا، أي لبنان قيس الخزعلي، كاد يمنع ستيفن سبيلبرغ من عرض فيمله الأخير "ذا بوست" لولا يقظة بعض المطبعين الذين هالتهم واقعة قدوم مقاوم من عيار الخزعلي إلى بلادهم من دون أن يستأذنها، فيما هبوا للدفاع عن حقهم في مشاهدة فيلم عن صحيفة "إمبريالية" من نوع "واشنطن بوست". الثنائية تلوح مجددا. ستيفن سبيلبرغ في مقابل قيس الخزعلي. عليك أن تختار أيها اللبناني بين الرجلين! ولجان المقاطعة والممانعة ستكون حكماً بينك وبين القاضي العسكري. وهنا عليك أن لا تنسى مصيري كل من غدار والخزعلي، فالأولى خارج البلاد اليوم، وينتظرها على المطار في حال قدومها حكم ستساق بفعله إلى السجن، فيما الثاني يشكل اليوم أحد ركائز العملية الانتخابية في العراق، وربما فاز فيها وعاود زيارته بلادنا رأس وفد نيابي محمي بحصانة برلمانية. فأي مصير ستختار لنفسك أيها المواطن المتردد؟
لكن الأمر لا يقتصر على هذه المشاهد في سياق العروض التي تقدم للبنانيين هذه الأيام. حنين غدار في السجن وقيس الخزعلي على الحدود وستيفن سبيلبرغ محروم من متعة أن تعرض أفلامه في لبنان! ليس هذا فحسب، فحزب الله كاشف اللبنانيين مؤخرا بتصوره عن دور المرأة في الحياة العامة. قالت المسؤولة النسائية في الحزب إنها ترى مهمة المرأة في بيتها، وإن عائلتها يجب أن تكون هاجسها الوحيد. وحين يكشف حزب الله عن تصوره هذا، لا يفعل ذلك بصفته قدم للبنانيين خيارا بين خيارات أخرى مطروحة علينا، ذاك أن آلة الممانعة التي تصدر ضجيجاً في وجه سبيلبرغ، وتضغط على القضاء لسجن حنين غدار، ويتولى العمل فيها "تقدميون يساريون"، تتحول إلى آلة معدنية صامتة حيال هذه اللحظة الرجعية والسلفية في خطاب المقاومة.
علينا دائما أن نعيد تأليف المشهد وفق المستجد من المعطيات. فالمسار يرسم على هذا النحو في دولة حزب الله: سجن صحفية، ومنع فيلم، واستقبال أمير حرب أهلية إقليمية بصفته بطلا مقاوما، واعتبار أن دور المرأة في عائلتها لا في الندوة البرلمانية. كل هذا يجري ونحن على أبواب انتخابات نيابية تشكل هذه العناوين البرنامج الانتخابي للحزب الأقوى والأبرز فيها.
وحزب الله حقق من هذه العناوين أبرزها، ذاك أنه انتصر على احتمال أن يولد في لبنان حساسية حيال مساراته هذه. ثمة قوى قررت أن تطلق على نفسها اسم "القوى الاعتراضية" وأن تقول إنها من خارج التركيبة الحاكمة، وطرحت على نفسها مهمة "الاعتراض"، لكنها أبقت الحزب خارج دائرة استهدافها. هي ضد الفساد بصفته "خطأ تقنيا"، لا بصفته نظام محاصصة يقيم حزب الله في صلبه، وهي ضد الطائفية لأنها امتداد لاتفاقية "سياكس بيكو" لا بصفتها ثمرة حرب أهلية إقليمية يشكل حزب الله فيها قوة مركزية. وهذه القوى مع الحريات على أن نستثني منها الحكم على حنين غدار ومنع فيلم "ذا بوست"، وربما اعتبرت هذه القوى أن دخول قيس الخزعلي لبنان بطرقة غير شرعية جزء من ممارسته حريته في التنقل بين الدول حاملا مسدسه.
ــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)