اجتماع وزراء الخارجية العرب في كانون الأول/ديسمبر 2017 (أرشيف)
اجتماع وزراء الخارجية العرب في كانون الأول/ديسمبر 2017 (أرشيف)

بقلم مالك العثامنة/ موقع الحرة

إلى ما قبل خمسة أعوام، كنت من مجموع الكتاب العرب الذين ما إن أرادوا تحميل الخيبات العربية على شيء، لم يجدوا أفضل من معاهدة سايكس بيكو للدلالة على تقسيم الغرب للعالم العربي ضمن حدوده الحالية وبث الفرقة فيه.

لكن، قبل خمسة أعوام، نبهني الدكتور خيري جانبك وكنت في زيارته في باريس، وبطريقته الدبلوماسية اللطيفة حين قال لي في معرض حديثي عن واقع العرب وطبعا إشارتي إلى اتفاقية السيدين سايكس وبيكو ومعهما وزير خارجية روسيا آنذاك سيرغي سازنوف كأحد أسباب الفرقة العربية ليقول لي الدكتور جانبك: اسمح لي أن أسألك، هل قرأت يوما نص الاتفاقية المعروفة باسم سايكس ـ بيكو قبل أن تحكم عليها كل هذه الأحكام؟

في الحقيقة لم أكن يوما قد قرأت الاتفاقية. حدود معرفتي بها لا يتجاوز قراءة المناهج المدرسية لها، وأطنان من المقالات المكتوبة والخطب المتلفزة التي كانت تشتم الاتفاقية بحكم أنها أساس بلاء الأمة العربية في واقعها الراهن.

ملاحظة الصديق ـ المعلم أثارتني، وحال عودتي للعم "غوغل"، وجدت الاتفاقية نصا وبسهولة متاحة للعموم. وقد قرأتها بلغتيها العربية والانكليزية لأكتشف من النص وقراءات تاريخ الاتفاقية والظروف المحيطة بها، أن الاتفاقية كانت تتعامل مع العرب كمشروع وحدة، إما كدولة واحدة أو تحالف موحد لمجموعة دول.

الاتفاقية التي احتوت اثتي عشرة مادة فقط، كانت منذ مادتها الأولى تحدد إطار التعامل مع العالم العربي كوحدة واحدة، وهو تصور غربي موجود رغم كل تفاصيل الشياطين التي رافقته كدول استعمارية، فنص المادة الأولى من الاتفاقية يقول:

"إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا أي دولة عربية مستقلة أو حلف دول عربية تحت رئاسة رئيس عربي في المنطقتين (أ) ـ (داخلية سورية)، (ب) ـ (داخلية العراق) المبينتين بالخريطة الملحقة. ويكون لفرنسا في منطقة (أ) ولإنجلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وإنجلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية".

أنت أمام نص يتحدث عن تصور لدولة عربية موحدة أو تحالف عربي موحد إذن، وطبعا لن نختلف أن ما سمته الاتفاقية بإدارة فرنسية أو إنجليزية تم تنفيذه بإدارات عسكرية "إحتلالية". ويقيني مما قرأت عن تاريخ تلك المرحلة برمتها، أن غياب الوعي السياسي العربي والاندفاع العربي الذاتي نحو "القطرية" والإقليمية كان هو السبب الرئيس لتغيير مآلات سايكس بيكو. فكانت الحدود الإدارية المرسومة بالقلم والمسطرة لتحديد توزيع الإدارات بين إنجلترا وفرنسا، هي ذاتها الحدود السياسية التي قامت الأنظمة الوطنية والتقدمية التي "ربحت" معركة الاستقلال بترسيخها كحدود دائمة مع شعار الوحدة العربية منقوعا بكل الحبر الممكن في أوراق الخطابات وبيانات الإذاعات.

طبعا، لست ساذجا ولا طوباويا لأرى في سياسات إنجلترا وفرنسا طموحات وردية مثالية لإنشاء الدولة العربية، فالسياسة مصالح كما كانت وستبقى كذلك، وسياسات لندن وباريس وكل اللاعبين الدوليين كانت دوما أطماعا لتحقيق أهداف.

ما أراه في قراءتي للاتفاقية أن كل القوى في ذلك الزمان، افترضت الحد الأدنى من وجود إرادة سياسية واعية عربية لإنشاء دولة، وباعتقادي من قراءة تلك الاتفاقية أن كل هؤلاء حتى لم يتوقعوا خذلان العرب لأنفسهم إلى هذا الحد.

في المادة الثانية يقول النص "يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (شقة سورية الساحلية) ولإنجلترا في المنطقة الحمراء (شقة العراق الساحلية من بغداد حتى خليج فارس) إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية".

أنت أمام أطماع واضحة لا التباسات فيها. لكن النص نفسه افترض وجود اتفاق مع حكومة أو حلف حكومات عربية، ولم يتخيل أعتى دهاة السياسة وقد وضعوا النص "الاستعماري" أن يكون هناك فراغ مطلق في هذا الجانب، فراغ تم إنشاؤه بسهولة المؤامرات لغياب الوعي العربي نفسه عن مفاهيم الدولة الحديثة وانغماس هذا الوعي بفكرة دولة الخلافة أو الحاكم المستبد بقدسية النص.

من هنا كانت المادة الحادية عشرة بنصها الذي يقول: "تستمر المفاوضات مع العرب بنفس الطريقة السابقة من قبل الحكومتين لتحديد حدود الدولة أو حلف الدول العربية". هذه المادة ليست أكثر من عبارة فضفاضة كان الشيطان يكمن في تفاصيلها حتى حققت الدول الاستعمارية أهدافها المصلحية، بتواطؤ غياب الوعي والانجرار وراء الأنظمة القمعية العسكرية التي "حاربت الاستعمار" وحلت محله بذات ثقافة العسكر مع فارق كثرة الخطابات والبيانات والانقلابات، وعنوان كاذب يحمل "التقدمية" شعارا لا معنى له.

في حالات كتلك، وهي كثيرة، أتذكر دوما وأردد بيت الشعر القائل: نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة: