فاجأ الكاتب والصحفي الفلسطيني المقيم في الجزائر، كفاح جرار، الجزائريين باقتحامه مجال الكتابة في التاريخ الأمازيغي، وهو مجال لم يخض فيه أهل البلد بشكل كبير.
في هذن المقابلة، يتحدّث كفاح جرار عن أسباب اختياره الكتابة عن التاريخ الأمازيغي وأبطاله، ويكشف صعوبة الخوض في هذا الميدان من الكتابة التاريخية.
نص المقابلة:
ما الذي جذبك إلى الكتابة عن التاريخ الأمازيغي وأبطاله؟
لم أقتنع يوما بالقطع التاريخي الظاهري والمعلن بين مغرب الأمة ومشرقها، وطالما تساءلت هل عجز أو تقاعس أو لم يهتم آباء الرحالة ابن بطوطة، الذي وصل إلى الصين والهند والفيليبين، عن معرفة واكتشاف جيرانهم، وقد عرفنا أن الفينيق اكتشفوا شمال أفريقيا وعمروها، فكيف كان حال النوميديين؟
من هنا، وجدت أنه من الضروري والواجب والمفيد تتبع آثار الأمازيغ، التي تقاعس كثيرون عن الرغبة في معرفتها، بل إن أول من خان ذلك التاريخ هم دعاة الأمازيغية اليوم.
كما وصلت إلى قناعة مفادها أن هناك من يهمه تكريس القطيعة بين الجناحين، وأنه كان يصنَع ويصدّر وهما اسمه الهوة النارية بين المشرق والمغرب.
وفي الوقت نفسه، هل تقاعس التجار العرب قبل الإسلام عن الوصول إلى بلاد المغرب، وهم الذين اشتغلوا في التجارة والسفر والتجوال، ألم يكن يغرهم اكتشاف جيرانهم مثلا؟
هذه الأسئلة وغيرها، دفعتني نحو اكتشاف الأمازيغ، فوجدت تاريخا عظيما أشبه ما يكون بتاريخ العرب قبل الإسلام، يحتاج لبحث ودراسة واكتشاف.
وكما احتوى التاريخ العربي على أبطال زادتهم الأسطورة قوة وجماهيرية مثل الزير سالم والملك كليب وعنترة وغيرهم، وجدت عند الأمازيغ ما يشبههم ويتماثل معهم.
كم هو عدد الروايات التي خصصتها للأبطال الأمازيغ، ومن هو البطل الذي تعتبره نموذجيا أو أثّر فيك؟
ربما من دواعي سعادتي وثقل مسؤوليتي أنني المبادر للبحث في سير الشخصيات الأمازيغية، وتقديمها في قالب تاريخي روائي، أي كشف الغطاء عن الشخصية بما يفيد ويشد ويجذب ويمتع، بعيدا عن التنافخ والمفاضلة وروح الأنا الزائفة.
ما أحوجنا لمعرفة تفاصيل حياة قوم نحن منهم أو هم جيراننا، وربما أيضا نتفق في كره الظلم والتعسف والقهر الروماني، فهل تبتعد شخصية زنوبيا السورية كثيرا عن شخصية تين هنان الترقية، أليس يوغرطة هو الجزء المكمل للوحة حنبعل في عدائهما لروما، ورغبتهما في سحق طغيانها؟
الروايات التي أنجزتها وطُبعت فقد بلغت ثماني روايات تخص التاريخ الأمازيغي القديم، ابتداء بالملك شيشنق ثم صيفاقس وماسينيسا ويوغرطة وتاكفاريناس وتين هنان والكاهنة وأصحاب البرانيس.. والسلسلة مفتوحة لضم مزيد من الشخصيات مثل يوبا والدوناتيون وعرابيون وغيرهم.
لقد وجدتُني شديد التعاطف مع يوغرطة ومحبا لسيرة الثائر تاكفاريناس، الذي قاوم مع السيد المسيح، في الوقت نفسه، قوى الشر الرومانية في المغرب والمشرق.
هل وجدت صعوبة في الوصول إلى المصادر والتأكّد من الأحداث أم أن الأمر كان يسيرا؟
بل قل هي الصعوبة بعينها، طالما انصرف أهل الشأن والاختصاص للبحث والنبش فيما يضر ولا يفيد، وطالما تأدلجت المعارف وصار الهدف من البحث التاريخي تأكيد أو إثبات التمايز والاختلاف، فلا تنتظر بعد ذلك أن تعثُر على مصدر بريء أو شبه بريء.
فكل ما كُتب كان بهدف واحد، هو في أدناه أبعد ما يكون عن روح العلم والمعرفة والتاريخ، فمثلا سيرة الكاهنة تيهيا، رغم أنها تندرج ضمن التاريخ الإسلامي للمنطقة، كيف تعثر على مصدر يعطيك معلومة موضوعية عنها لا تخضع للرأي المسبق ووجهة النظر المشبوهة أو المغرضة؟
التاريخ الحق يكتبه أبناؤه المخلصون بموضوعية وصدق، لكن أين نجد هؤلاء؟.. وهنا علينا أن نترحم على ابن خلدون، فقد ترك لنا بعضا من التاريخ النظيف.
مثلا ما يتعلق بالملك إيمدغاسن، ورغم ضريحه العظيم القائم في بادية ولاية باتنة، غير أني لم أجد عن هذا الملك ما يفيد، فالمراجع ضحلة جدا ولا تقدم حقائق يمكن الوثوق فيها.
في رأيك، هل هناك اهتمام في الجزائر بالتاريخ الأمازيغي وبالكتابة عنه؟
جل الاهتمام والجهد انصب على الوجه الآخر للتاريخ، أي تفسير الحاضر وتبريره، وهو سلبي بالتأكيد.
المشتغلون في البحث التاريخي كرسوا جهدهم لغير الحقيقة العلمية والمعرفة البريئة، وفي وسط هذا الزخم من الفوضى المعرفية يصعب عليك فهم النوايا وبيانها.
من أحب الأمازيغ عليه أن يبحث حقا ليكتشف حقا، ومن زعم الحياد عليه أن يبحث حقا ليكتشف حقا، ومن يجاهر بعدائه للأمازيغ عليه أيضا أن يبحث ليتأكد من صدقية زعمه، ورغم ذلك جلهم ذهبوا يركضون في ميدان لا يصلح للسباق ويرعون في برية لا تنتج إلا الحنظل.
هل هناك مشروع لتحويل أعمالك إلى مسلسلات أو أفلام أو أعمال إذاعية؟
نعم، لقد تم إنتاج بعضها في أعمال إذاعية، وتلك مبادرة كانت من إذاعة غرداية (جنوب الجزائر)، ونحن بصدد ترجمتها إلى الفرنسية، أما في السينما فلم أتلق أي عرض بعد.
ربما سنقوم باقتحام الفن الرابع من خلال عمل مسرحي يجمع سيرة صيفاقس مع ماسينيسا، بما أن الملكين اختلفا على موضوع واحد، سواء لجهة الحليف أو العدو، وحتى العشق، فقد أحبا امرأة واحدة، هي صفونيسيا، التي تزوجت من لم يختره قلبها.
ما هي روايتك المقبلة، وهل تحضّر لعمل بحثي كبير في الشأن الأمازيغي؟
سأصدر رواية "إمام الظهور"، التي تتناول نشأة الإمام عبد الرحمن بن رستم، مؤسس الدولة الرستمية الأولى، وذلك ضمن سلسلة تاريخية جديدة، أتناول فيها الدول التي قامت في المغرب قبيل العهدة العثمانية، أما العمل فقد يكون في إطار سينال إعجابكم.
هنا يهمني القول إن رواية أصحاب البرانيس تتناول حدثا غاية في الأهمية، وقد جرى التعتيم عليه بشكل مريب، ألا وهو مبايعة وفد من الأمازيغ لرسول الله عليه الصلاة والسلام، واجتماعهم به في غزوة تبوك، وهو المعروف بأحاديث "يا أهل المغرب"، والحق لم أفهم لماذا جرى التعتيم تماما على هذا الحدث رغم أهميته العظمى.
المصدر: أصوات مغاربية