لفتت رسالة المحامي مقران آيت العربي، التي يدعو فيها إلى إطلاق سراح موكله الجنرال حسان بعد تدهور صحته، الانتباه إلى ملف محاكمة الجنرالات في الجزائر وأعادته إلى النقاش مجددا.
وأبرزت الرسالة التي عممها آيت العربي على بعض وسائل الإعلام، أن الجنرال حسان "معرّض لخطر الموت، نظرا لإصابته بعدة أمراض مزمنة لا تسمح ظروف الاعتقال بعلاجها، ما يستدعي الإفراج عنه".
وقال المحامي آيت العربي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إنه ينتظر فصل المحكمة العليا في طلب النقض في القرار، الذي رفعه منذ ما يقارب سنتين.
وحسب المحامي، فإن المحكمة العليا "عادة ما تفصل في القضايا العسكرية بصفة سريعة، لا تتعدى في أسوأ الأحوال 8 أشهر، بناء على أحكام سابقة".
سياط العدالة تطال الجنرالات
وتوبع الجنرال عبد القادر آيت واعرابي، المدعو حسان، بتهمة "مخالفة التعليمات العامة العسكرية"، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بوهران بخمس سنوات سجنا نافذة.
كما طال سوط العدالة أسماء أخرى شغلت مناصب رفيعة في الجيش بعد سلسلة التغييرات، التي شهدها جهاز المخابرات، التي باشرها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
ومباشرة بعد إزاحة الجنرال محمد مدين، المدعو توفيق، من على رأس جهاز المخابرات بعد قضائه أكثر من 25 سنة في تسييره، انطلق "مسلسل المحاكمات".
وأثارت محاكمة أسماء من داخل الجيش صدمة لدى كل المتتبعين، نظرا لوزنها في المؤسسة، ودورها في التأثير في صناعة القرار لسنوات بحكم المسؤوليات التي تولوها.
ومن بين القيادات التي أحيلت على القضاء العسكري، المدير السابق للأمن الرئاسي اللواء جمال مجدوب كحال، الذي أدين بثلاث سنوات سجنا من المحكمة العسكرية بقسنطينة.
ووجهت للّواء مجدوب تهم تتعلق بـ"الإهمال"، بعد حادثة إطلاق النار في الإقامة الرئاسية بزرالدة، والتي مازالت تفاصيلها غامضة إلى اليوم.
فيما لم تنته بعد فصول محاكمة الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، الذي توبع في أعقاب إدلائه بتصريحات لـ"راديو مغرب" وصفت بأنها "خطيرة".
ويتابَع بن حديد بتهمة "إهانة هيئة نظامية"، وتعرف محاكمته عدة تأجيلات، كان آخرها بسبب تغيير في تشكيلة المحكمة مما دفع القاضي الجديد إلى الاطلاع على ملف القضية من جديد.
هل هي دستورية؟
وحوكم القادة العسكريون في محاكم عسكرية عدا الجنرال بن حديد، فيما راجت أخبار عن وضع قادة عسكريين آخرين تحت الرقابة، ومنعهم من السفر كالفريق أحمد بوسطيلة والجنرال جبار مهنة.
في هذا الصدد، يشير الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان المحامي صالح دبوز، إلى ضرورة أن يكون القضاء العسكري خاضعا للقضاء المدني وتحت مراقبة المحكمة العليا.
غير أن معطيات الواقع في الجزائر مخالفة تماما لما هو نظري، بحسب دبوز، ذلك أن القضاء العسكري له خصوصيات يتوصف بها.
ومثال ذلك، يوضح دبوز، أن "مبدأ الحق في الدفاع، الذي يخول للمتهم اختيار أي محام يراه مناسبا، إلا أن هذا لا ينسحب على القضاء العسكري، الذي لايقبل المحامين المعترض عليهم من طرف المحكمة العسكرية".
ويخلص دبوز في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إلى نتيجة مفادها أن "المحاكم العسكرية ليست محاكم دستورية، كما تعرف بالصرامة في تطبيق القوانين".
إبعادهم عن مركز القرار
وكان لهذه المحاكمات انعكاساتها على المشهد السياسي الجزائري، إذ شهدت حدثا بارزا يتعلق بخروج الجنرال توفيق عن صمته، معبرا عن "ذهوله" من الأحكام الصادرة من القضاء العسكري في رسالة مكتوبة تداولتها وسائل الاعلام.
وعلى ضوء ما حدث، يبني العقيد المتقاعد من جهاز المخابرات الجزائرية، خلفاوي محمد، قراءته لمتابعة الجنرالات قضائيا، مدرجا إياها في خانة "السياسي".
ويراد من هذه المحاكمات، وفق خلفاوي "الانتقام من الجنرال توفيق، على اعتبار أن هؤلاء يعدون من المقربين منه، وهي محاولة لإضعافه".
ولم يستبعد، خلفاوي أن تكون لهذه المتابعات صلة بموقفهم من العهدة الرابعة للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، الذي يتضح أنهم كانوا ضد استمراره في الحكم.
ويعطي خلفاوي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" تفسيرا آخر للحدث، يتعلق بـ"محاولة إبعادهم عن مركز صناعة القرار مخافة تأثيرهم فيه".
كما لمح خلفاوي لنظرية المؤامرة، حيث تستهدف هذه المحاكمات مؤسسة المخابرات والجيش على حد سواء، واصفا هاتين المؤسستين بـ"جهاز مناعة الدولة".
استرجاع الرئاسة لنفوذها
ولم يكن متوقعا في الجزائر أن يحال رؤوس من المؤسسة العسكرية على القضاء، نظرا لطبيعة النظام الجزائري، الذي يتصّف بسيطرة الجيش على معظم قراراته بشهادة أبنائه.
ومنه، يعتبر الباحث في الحقل السياسي، عادل أورابح، أن محاكمة الجنرالات "جاءت في سياق تراجع دور أحد مراكز القرار واسترجاع مؤسسة الرئاسة لبعض نفوذها".
ولا يستغرب أورابح قرار الملاحقات القضائية ضد بعض قادة الجيش، بل يراه "استكمالا منطقيا لمسار بدأ منذ عام 2004 بعد الشروع في إبعاد الجنرالات المسيّسين، بخاصة ممن سيروا مرحلة التسعينات الحرجة".
وينفي أورابح، في حديث لـ"أصوات مغاربية" أن يكون الهدف من المحاكمات "تمدين الحكم والتحضير لانتقال ديمقراطي سلس من داخل النظام".
ويجزم بأنها تتعلق بـ"صراع عصبوي في نظام سياسي زبائني وغير ممأسس"، متوقعا استمرار الثقافة الأمنية "المهيمنة على تفكير النخب الأمنية، حتى ولو جاء رئيس آخر في 2019".
المصدر: أصوات مغاربية