بقلم عريب الرنتاوي/ موقع الحرة
تنقسم الدول العربية إلى فئات أربع حين يتعلق بانتخاباتها العامة: الأولى، يترتب على انتخاباتها العامة أثر ملموس في تقرير وجهة الأحداث والتطورات، والفئة الثانية تترك الانتخابات فيها أثرا محدودا للغاية، وفئة ثالثة لا تفضي الانتخابات فيها إلى أي تغيير فعلي، أما الفئة الرابعة، فلا تعرف الانتخابات أصلا.
الفئة الأولى، وتضم حصرا لبنان والعراق وتونس، وهي دول تختبر شكلا من أشكال الحرية والتعددية والانتقال الديمقراطي. العراق، سيجري انتخابات في 12 أيار/مايو المقبل، ومن المتوقع أن يترتب عليها إعادة توزين القوى السياسية واختبار القوة التمثيلية للحشد الشعبي الذي سيشارك لأول مرة في الانتخابات، على الرغم من القرارات السابقة بمنع الفصائل المسلحة من خوض الانتخابات والمشاركة فيها. كما سيترتب على هذه الانتخابات ـ ربما ـ إعادة إنتاج خريطة التحالفات وشكل الحكومة المقبلة وعراق ما بعد داعش، ومستقبل الأزمة بين كرد العراق وعربه. في مطلق الأحوال، هي انتخابات محاطة باهتمام شديد، محليا وإقليميا ودوليا.
لبنان سينتخب برلمانه الجديد في السادس من أيار/مايو المقبل، وسيعتمد لأول مرة، القانون النسبي، مع الدوائر المتوسطة والصوت التفضيلي. جرت العادة أن يجري اللبنانيون انتخابات حرة ونزيهة، يتخللها بالطبع استخدام كثيف "للمال السياسي" العابر للحدود، بعضه يأتي من السعودية ودول خليجية أخرى، وبعضه الآخر يأتي من إيران. لكن الانتخابات هذه المرة، تفتح الباب للمجهول، وقد تكشف صناديق الاقتراع عن مفاجآت من العيار الثقيل والمتوسط. ربما، لهذا السبب، تعمل الماكينات الانتخابية، أو "المحادل" كما توصف في لبنان، بطاقتها القصوى هذه الأيام، وتجري الأحزاب مشاورات مكثفة لبناء تحالفاتها وتشكيل قوائمها الانتخابية. انتخابات مرتقبة، بالقدر الذي تبدو فيه محملة باحتمالات التغيير.
إقرأ للكاتب أيضا: الأردن والعام 2018: ثلاثة أسباب للتشاؤم
تونس على موعد بتاريخ في السادس من أيار/مايو المقبل، مع انتخابات محلية، ستكون لها وظيفة حاسمة في معرفة وقياس اتجاهات الرأي العام التونسي، ونظرته حيال قواه السياسية والحزبية، وهي فرصة للتعرف على أوزان هذه القوى، وقياس درجة نفوذها وتمثيلها الشعبي، بعد ثماني سنوات تقريبا من عمر الثورة، سيما بعد التظاهرات الواسعة الأخيرة على خلفية رفع الدعم وتحرير الأسعار وفرض ضرائب جديدة، من ضمن خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي.
الفئة الثانية، ويشكل المغرب تحديدا، أحد أبرز الأمثلة عليها، ويمكن إضافة الكويت والجزائر إلى هذه القائمة، حيث الانتخابات تجري في ظل نظم ملكية/رئاسية مطلقة، تكاد مفاتيح السلطة وصنع السياسة والقرار تنحصر في الديوان الملكي/الأميري/الرئاسي، فيما الحكومات التي تنبثق عن البرلمان ـ حالة المغرب والجزائر ـ أو تعرض على المجلس طلبا للثقة كما في حالة الكويت، لا تتمتع بصلاحيات واسعة، تكفي لتوقع تغييرات نوعية في نهاية كل عملية انتخابية. لكن الانتخابات في هذه المجموعة من الدول، تعتبر مؤشرا على اتجاهات الرأي العام والتحولات في المزاج العام، ويلعب البرلمان أدوارا متفاوتة في الرقابة على مؤسسات الدولة التنفيذية، طالما أنها لا تمس بسلطة الملك/الأمير/الرئيس أو صلاحياته.
الفئة الثالثة، وتضم أساسا مصر (رئاسية 26، 27 و28 آذار/مارس المقبل)، والبحرين (برلمانية في الربع الأخير من السنة)، والأردن والسودان وعُمان. هنا، يمكن القول من دون تردد إن اليوم التالي للانتخابات، يشبه اليوم الذي سبقه، ولا يختلف عنه بشيء. فالحكومات تأتي من خارج البرلمان، والسلطات الرئيسة في يد الملك/الأمير/الرئيس، وقلما تذكر المواطنون فيها اسم رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، أما البرلمانات فدورها محدود للغاية في النظم السياسية لتلك الدول، إن على الصعيد السياسي أو على صعيد الرقابة والتشريع، ويصعب الحديث في برلمانات هذه الدول عن تعددية سياسية وحزبية.
إقرأ للكاتب أيضا: قرار ترامب بشأن القدس أو 'انقلاب المشهد'
الفئة الرابعة، التي لا تعرف الانتخابات قط، بعضها شرع في إجراء انتخابات محلية وبلدية، وبعضها الأخرى، يعتمد معيارا لاختيار "الهيئة الناخبة" يستثني المتجنسين، وهي انتخابات لا تتسم عادة بالنزاهة والشفافية، وينتج عنها مجالس محلية بصلاحيات محدودة للغاية. أما البرلمانات ومجالس الشورى، التي تنتشر في عدد من دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر، فغالبا ما تكون معينة، وفقا لمعيار الولاء السياسي للحاكم، وهي لا تقوم بأية أدوار سياسية أو رقابية أو تشريعية ذات مغزى.
من بين الدول العربية، ثمة دول ثلاث فقط، هي لبنان والعراق وتونس، تقرر الأغلبية البرلمانية شكل ومضمون الحكومة الجديدة. والحكومات في الدول الثلاث، هي صاحبة الولاية العامة، وبيدها الصلاحيات الكافية لرسم السياسات وصنع القرارات. تتمتع الرئاسات الأولى في هذه الدول، مع الفارق بين واحدة عن الأخرى، بصلاحيات محدودة، وتقوم الأحزاب السياسية فيها، بتشكيل قوائمها الائتلافية وتحالفاتها قبل الانتخابات وبعدها، من أجل تشكيل الحكومة أو البقاء على مقاعد المعارضة. وثمة قدر من التداول السلمي للسلطة التنفيذية، تقيده في العراق ولبنان اعتبارات "المحاصصة الطائفية" ومفهوم "الديمقراطية التوافقية" الذي لا يستسيغ منطق حكم الأغلبية، وإدارة البلاد من قبل فريق واحد.
العالم العربي على موعد جديد هذا العام (2018) مع موسم انتخابي في كل من العراق ولبنان والبحرين وجيبوتي وليبيا وتونس ومصر (يمكن إضافة كردستان وجنوب السودان تجاوزا)، وهذا أمر لا يشكل بحد ذاته، علامة فارقة جديدة في تطوره السياسي والاجتماعي. إذ جرت انتخابات من كل الأنواع، قبل ثورات الربيع العربي، في معظم الدول العربية، ولم يكن لها من نتائج سوى تأبيد حالة الركود و"شرعنة" نظم الاستبداد والفساد، وإعادة إنتاج ثالوث "التمديد والتوريث والتجديد" غير المقدس. ولولا ما سنشهده في تونس والعراق ولبنان، لقلنا إن وظيفة الموسم الانتخابي الجديد لا تختلف عن سابقاته، وإن أنظمة الحكم العربية ستستأنف ممارسة يومياتها المعتادة، صبيحة اليوم التالي للانتخابات، وعلى ذات المنوال الذي خبرته واعتادت عليه، طيلة سنوات وعقود.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)