بقلم إيلان بيرمان/ موقع الحرة
إن الولايات المتحدة الأميركية "بلد معاد. هي تهديد خطر لوجود بلدنا، ووحدته، ونزاهته، وحاضره ومستقبله. هي تشن هجوما مفتوحا، وحربا غير معلنة...".
هذه ليست كلمات المتطرفين من "الدولة الإسلامية"، الذين فككت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون خلال العام الماضي "الخلافة" التي أعلنوها. ولا هي كلمات نظام آيات الله في إيران، الذي يواجه إدارة أميركية تبدو ملتزمة بكبح خطر تهديدهم للنظام العالمي.
إنها بالأحرى، مشاعر الصحافي والمعلق التركي البارز إبراهيم قاراغول. ففي عمود نشره مؤخرا، في صحيفة "يني شفق" التركية، التي يتولى رئاسة تحريرها، طرح قاراغول نظرية غريبة مفادها أن هدف أميركا الاستراتيجي في الشرق الأوسط، هو تفكيك تركيا وتقطيع أوصالها.
وقال قاراغول إن "الإدارة الأميركية تنفذ مخططا سريا تحت غطاء حلف الناتو ودعوات "الشراكة الاستراتيجية"، لتقسيم أراضي تركيا وتدميرها، تماما كما حدث في العراق وسورية".
هذه الرؤية الوسواسية تتماشى، للأسف، مع المناخ السياسي التآمري السائد في تركيا، والطافح بأعداء الدولة، حقيقيين ومتخيلين. لكن نشر مقال قاراغول في صحيفة "يني شفق"، التي تعتبر منذ فترة طويلة ناطقة باسم حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، يشير إلى أن هذا الموقف يتوازى، في أقل تقدير، مع التفكير الرسمي المتداول في أروقة السلطة في تركيا حول أميركا.
اقرأ للكاتب أيضا: استراتيجية ترامب الجديدة.. ماذا تعني للشرق الأوسط؟
كيف وصلنا إلى هنا؟ لاشك أن السنوات الأخيرة شهدت تدهورا في العلاقة الثنائية التركية ـ الأميركية؛ التي كانت علاقة وطيدة في وقت ما. فبعد أن كانت حليفا شرق أوسطيا وثيقا خلال الحرب الباردة، تحولت تركيا في العقد ونصف العقد الماضيين، إلى ما يشبه الـ"صديق/عدو"، إذ رغم أنها تتوافق رسميا مع الولايات المتحدة، تتبع سياسات تتعارض بشكل جوهري مع المصالح الأميركية.
وهكذا، تبنت أنقرة بإشراف الرئيس رجب طيب أردوغان، فكرة "العمق الاستراتيجي" في السياسة الخارجية. وهي فكرة أدت، بجانب أمور أخرى، إلى توسيع الاتصالات العسكرية مع روسيا، وهي خصم رئيس لحلف "الناتو"؛ وتحولت إلى مأوى وميسر للإسلامويين الناشطين في المسرح السوري. وقد أثارت في غضون ذلك، أسئلة جوهرية بشأن التزام أنقرة المستمر تجاه حلف "الناتو"، ومتانة شراكتها الأمنية التقليدية مع الولايات المتحدة.
لا شك أن واشنطن تتحمل جزءا من اللوم أيضا. فعلى سبيل المثال، أثار نهج إدارة ترامب المربك تجاه الأكراد ـ بما في ذلك قراره تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، وهي فصيل تابع لحزب العمال الكردستاني، المثير للجدل، والذي تصنفه الخارجية الأميركية كمنظمة إرهابية أجنبية ـ غضب أنقرة (ولم يساهم وعد الإدارة المتأخر بنزع سلاح وحدات حماية الشعب بعد انتهاء المعركة مع "الدولة الإسلامية"، في تهدئة المخاوف التركية). وعلاوة على ذلك، فإن استمرار عدم الوضوح في السياسة الأميركية تجاه العراق وسورية، أثار مخاوف بين المسؤولين الأتراك، من أن ترضخ إدارة ترامب، في ظروف معينة لولادة دولة كردية مستقلة ـ وهو أمر تراه حكومة أردوغان معاديا لمصالحها على المدى الطويل.
إن هذه التوترات المضمرة منذ زمن طويل، باتت تهدد بالخروج إلى العلن. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين، كشفت العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين السورية ـ ووعد أردوغان بالسير قدما نحو المزيد من المناطق الحيوية والاستراتيجية ـ عن سياسة عسكرية تركية أكثر عدوانية في الشرق الأوسط، من شأنها أن تضع أنقرة وواشنطن على طرفي نقيض في ميزان القوى الإقليمي الآخذ بالتشكل.
اقرأ للكاتب أيضا: قنبلة مصر السكانية
التداعيات عميقة. ولا يمكن لمنزل منقسم أن يصمد، والتحالف الذي يجد اثنان من أعضائه الأساسيين نفسيهما مختلفين على نحو جوهري، بالكاد يعتبر تحالفا. هذا يعني من شأن التوتر التركي ـ الأميركي التأثير جديا على تماسك الناتو، وفاعليته في الشرق الأوسط، ومناطق أخرى.
العلاقات الثنائية في الميزان أيضا. إن النشاط التركي المتزايد قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في عدد من الجبهات، وبشكل مباشر في سورية والعراق. وعليه، فإن القناعة المتنامية في أنقرة (والتي عبر عنها قاراغول، ولكن يتشاركها آخرون كثر)، هي أن واشنطن تحاول عمدا إضعاف الدولة التركية.
ونظرا للطبيعة التاريخية للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، هناك أسباب حقيقية تدفع المسؤولين الأتراك والأميركيين إلى التراجع عن حافة الحاوية، والبحث عن حل توافقي. لكن، إذا لم يتم العثور على حل، سيكون من الضروري البدء بالتفكير في ما قد يعنيه للمنطقة ـ ولحلف الناتو ـ إنْ سارت واشنطن وأنقرة في طريقين منفصلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)