المصدر: أصوات مغاربية
يعتبر رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، البروفسور شفيق الشرايبي، من أشرس المدافعين عن تقنين الإجهاض، أو الإيقاف الطبي للحمل.
وفي هذا الإطار، وجه الشرايبي مؤخرا رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، يطالبه في مضمونها بالتعجيل بإخراج القانون المتعلق بالإجهاض.
في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، يكشف الشرايبي دوافع بعثه بتلك الرسالة، ويؤكد الحاجة الملحة بل والمستعجلة لإخراج القانون المتعلق بالإجهاض، كما يكشف عن حالات لنساء لجأن وتلجأن إليه يوميا لطلب مساعدته من أجل وقف حمل غير مرغوب فيه.
وجهتم مؤخرا رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية تهم القانون المنتظر حول الإجهاض، ما دوافع هذه الرسالة؟
نحن وجهنا هذه الرسالة لنطرح من خلالها سؤال: أين وصل هذا الملف؟ فمنذ أن صادق مجلس الحكومة على مشروع القانون المتعلق بالإجهاض، لم نسمع عنه شيئا، نحن لا نعلم هل عاد إلى الأمانة العامة للحكومة أم ذهب إلى البرلمان.
مرت سنتان، وخلال هاتين السنتين من الانتظار، سقط العديد من ضحايا الحمل غير المرغوب فيه، من جهة هناك النساء، منهن من عانين من مضاعفات الإجهاض غير الآمن، من انتحرن، من تشردن بعد طردهن من بيت الأسرة.
من جهة ثانية هناك بعض الأطباء أو الممرضات أو القابلات الذين هم حاليا في السجن.
ومن جهة ثالثة هناك مئات الأطفال الذين تم التخلي عنهم أو حتى قتلهم من طرف نساء لم يتمكن من القيام بعمليات إجهاض، وإن كنت لا أفضل استعمال هذه الكلمة (الإجهاض) وأفضل بدلا عنها الحديث عن "الإيقاف الآمن للحمل".
هل تعتقد أن سعد الدين العثماني، الذي هو في الوقت نفسه أمين عام حزب 'ذو مرجعية إسلامية'، قد يدعم سعيكم هذا للتسريع بإخراج هذا القانون؟
صحيح أن الأستاذ سعد الدين العثماني ينتمي إلى حزب ذو مرجعية محافظة، ولكن قبل ذلك الأستاذ العثماني هو طبيب نفساني وعاش ويعيش مأساة النساء أو الفتيات اللائي لديهن حمل غير مرغوب فيه.
أيضا أشير إلى أن العثماني كان أول شخص من داخل الحزب (حين كان في المعارضة) يفتح لي البرلمان لنناقش هذا الموضوع، كما أن العثماني في كثير من تصريحاته قال إنه يقبل تقنين الإجهاض في بعض الحالات.
من ثمة أنا على يقين أن الدكتور سعد الدين العثماني سيساعدنا ولهذا راسلته، بعد أن انتظرت بعض الوقت لأنني على يقين أنه كانت لديه أشياء كثيرة ليقوم بها وإن كنت أعتبر أن مشكل الإجهاض بدوره هو مشكل مستعجل جدا.
من جهة أخرى، علمت من وسائل الإعلام مؤخرا أن العثماني تحدث عن إعادة النظر في مدونة الأسرة، ولذلك هي فرصة، بحيث إذا تمت إعادة النظر في مدونة الأسرة، نطالب بإدراج الحفاظ على صحة المرأة المهددة بسبب الإجهاض السري الذي يؤدي إلى مضاعفات خطيرة كالنزيف وتمزق الجهاز التناسلي، التسممات والتعفنات وأحيانا حتى الوفاة.
وهنا ألفت إلى أنه حين نتحدث عن صحة المرأة، نحن لا نقصد فقط صحتها الجسدية بل أيضا النفسية والاجتماعية.
القانون المنتظر حدد حالات معينة يمكن السماح فيها بالإجهاض، هل تلك الحالات كافية في نظرك؟
اللجنة التي تم تعيينها إثر التدخل الملكي، خلصت إلى تحديد حالات يمكن فيها إجراء الإجهاض وهي الاغتصاب، زنا المحارم، التشوهات الخلقية وأيضا إذا كانت الفتاة الحامل مصابة بخلل عقلي.
هذه الحالات ليست كافية لأنها بالكاد تمثل 10% من مجموع حالات الحمل غير المرغوب فيه، وبالتالي فإن المشكل سيبقى مطروحا كما أن الإجهاض السري غير الآمن سيستمر.
لذلك نحن نقول إنه يجب الحفاظ على صحة المرأة، وهنا أشير إلى أن الفصل 453 يقول إنه من الممكن أن يتم القيام بإيقاف آمن للحمل بصفة قانونية إذا كانت حياة أو صحة الأم في خطر. ولكن السؤال هو ما المقصود بصحة الأم؟
بالنسبة للبعض الصحة المقصود بها الصحة البدنية فقط، بينما يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار صحتها العقلية والاجتماعية التي تكون بدورها مهددة نتيجة الحمل غير المرغوب فيه.
في دفاعك عن تقنين الإجهاض تستحضر أسبابا إنسانية واجتماعية، ولكن هناك من يعتبر أن الدافع الوحيد وراء الدفاع عن التقنين هو مادي محض، ويرون أنه لن يخدم سوى الأطباء؟
بالعكس. كل الأمور السرية تجلب الأموال، بالتالي إذا تم التقنين فإن كلفة الإجهاض ستنخفض، هذا في حال سُمح بالقيام بتلك العمليات في العيادات، فأنا أطالب بأن يتم الإجهاض داخل المستشفيات وبصفة مجانية.
من جهة أخرى إذا سمح بالإجهاض، فذلك لا يعني أن أرقام الإجهاض سترتفع بل على العكس ستنخفض، لأن السماح بالإجهاض سيرافقه التحسيس بضرورة الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه.
وفي هذا الإطار لدينا نماذج للبلدان التي قننت الإجهاض والتي لديها أرقام أقل من الأرقام التي لدينا، إذ تتم على الأقل بين 600 و800 عملية إجهاض يوميا في بلادنا.
إذا كنتم تستحضرون صحة المرأة بالدرجة الأولى في دفاعكم عن تقنين الإجهاض، من يرفضون التقنين ويرفضون الإجهاض عموما، يستحضرون من جهتهم حق الجنين في الخروج إلى الحياة، كيف تردون على هذا الطرح؟
تخيلوا معي، أن هناك من جهة امرأة حياتها مهددة نتيجة إجهاض غير آمن، وحياة رضيع كان حملا غير مرغوب فيه، وُلد وقد يتم التخلي عنه أو قد يقتل حتى من طرف أمه ويرمى في الشارع أو في النفايات، وهذه أمور نسمع عنها...
ومن جهة أخرى لدينا جنين حجمه سنتيمتر واحد أو سنتيمترين.
إذا كان لدي اختيار بين ما سبق، لن يكون لدي خيار سوى تفادي ما ستتعرض له تلك السيدة وأيضا ذلك الجنين في حالة ما إذا ولد.
تعتبر جمعيتكم المصدر الوحيد للأرقام المتداولة حول عدد عمليات الإجهاض التي تجرى في المغرب، وهي موضوع تشكيك كبير من قبل من يعتبرون أنها مبالغ فيها ولا تعكس الواقع، كيف توصلتم إلى تلك الأرقام؟
الإجهاض هو سري إذن من غير الممكن أن تكون لدينا أرقام دقيقة، ولكن للتوصل إلى تلك الأرقام قمنا نحن أيضا كجمعية بعملية سرية.
كأستاذ جامعي في كلية الطب، أخذت تقريبا عشر طالبات، يحضرن أطروحات في مواضيع مختلفة إما لها علاقة بالتوليد أو بعلم الاجتماع، وهؤلاء الطالبات توجهن بصفة سرية إلى بعض العيادات إما لأطباء أخصائيين في أمراض النساء والولادة أو أطباء طب عام، وإن كان أكثر من توجهن إليهم هم أطباء أخصائيين.
هؤلاء الطالبات كن يدعين أنهن يرغبن في القيام بعملية إجهاض، وكن يجلسن في قاعة الانتظار لساعات يتبادلن خلالها أطراف الحديث مع باقي السيدات لاكتشاف عدد من ترغبن في إجراء عمليات إجهاض، كذلك كن يتحدثن مع كاتبة العيادة بخصوص الثمن وبعض التفاصيل الأخرى التي تتعلق بتلك العمليات، ومن هنا توصلنا إلى تلك الأرقام.
ففي الرباط فقط يوجد 100 طبيب أخصائي في أمراض النساء والولادة وفي سلا أكثر من عشرين، ووجدنا أن بعضهم يجرون عملية واحدة في اليوم، بعضهم يجري أكثر من عملية، والبعض الآخر لا يجرون تلك العمليات نهائيا، من ثمة توصلنا إلى أنه في الرباط وسلا تتم على الأقل خمسين عملية إجهاض يوميا.
إذا توجهنا الى الدار البيضاء حيث عدد الأطباء هو ثلاث مرات أكثر من الرباط وسلا، وعدد الساكنة ثلاث مرات أكثر، والمشاكل أيضا ثلاث مرات أكثر، سنجد على الأقل بين 100 و150 عملية تتم يوميا.
هذا دون ذكر مدن أخرى، كمراكش وأكادير وطنجة وفاس ومكناس... وغيرها. ألا تعتقدون بجمع كل تلك الأرقام بأننا سنصل إلى 600 و800 عملية يوميا؟
هل سبق أن لجأت إليك نساء ترغبن في إجراء عمليات إجهاض؟
كثيرا، بل كل يوم تقريبا يأتين هنا ويطلبن المساعدة، ولكن لا نستطيع فعل شيء لهن.
يأتين من عدة مدن، وهناك من يعتقدن أن جمعيتنا ستساعدهن على الإجهاض ومع الأسف لن تساعدهن.
ما هي أبرز الحالات التي تلجأ إليك؟
مثلا هناك حالة سيدة حامل في شهرها الرابع علمت أن الجنين مخه خارج رأسه، أيضا هناك سيدة حامل بجنين ليس لديه أيدي وأرجل، وهنا أتساءل: ما الهدف من التشخيص الذي يكشف هذه الحالات إن لم تتم مساعدة تلك السيدة؟ هي ستضطر لتلد ذلك الجنين وتشاهده وهو يموت بجانبها مباشرة بعد الولادة.
قبل أقل من أسبوع جاءت عندي سيدة تعرضت للاغتصاب في أكادير، ولم تجد من يجري لها العملية وهناك من دلها علي، وقد قلت لها إنني لا يمكنني مساعدتها.
أذكر أيضا أما أحضرت لي ابنتها التي تعاني من خلل عقلي، أخبرتني أن ابنتها كلما خرجت إلى الشارع تتعرض للاعتداء، وأنه قد سبق لها الإنجاب، قالت لي إنها أرملة تربي ابنتها، وحفيدتها البالغة من العمر ثلاث سنوات التي أنجبتها ابنتها تلك نتيجة حمل مماثل. ترجتني لمساعدتها وقالت لي "إن لم يساعدني أحد سأقتل نفسي وأترك ابنتي وحفيدتي"...هذا مؤلم جدا ومبكي.
ما الذي يعرقل، في نظرك، خروج القانون إلى حد الآن؟
أنا لا أفهم. من الذي يعرقله؟ لا أعلم، ربما العدالة والتنمية، ربما الإهمال، أو ربما الجهل بأن هذا الموضوع مستعجل جدا، أنا لا أدري تحديدا ما الذي يعرقل خروج القانون.
أنا أعتبر أن هذا الملف يدخل في إطار الأوراش التي تفتح ولا تكتمل، ولذلك أنا أريد أن أذكر المهتمين بهذا الورش الذي لم يكتمل بعد.
ماذا تقول لمن يعتبرون أن تقنين الإجهاض، سيفتح الباب للعديد من المشاكل التي لن تنتهي؟
الأرقام في العالم تبين أن كل البلدان التي تسمح بالإجهاض لديها أقل أرقام لأنه بموازاة التقنين يتم التحسيس بضرورة الوقاية.
فمثلا إذا قارنا وضعنا بتونس، سنجد أن المغرب لديه عمليات إجهاض 20 مرة أكثر -نسبيا- من تونس مع العلم أن تونس قننت الإجهاض منذ 1972.
من جهة أخرى، يجب أن نستحضر أن الإجهاض ليس بالخيار السهل، ولا توجد امرأة ترغب فيه هكذا بدون أسباب.
المصدر: أصوات مغاربية