بقلم نيرڤانا محمود/
أطلقت مصر منذ أسبوعين حملة أمنية شاملة، "سيناء 2018"، تستهدف بشكل رئيسي مجموعات إرهابية في البلاد. لكن نظرة سريعة، على الأنشطة المكثفة التي تقوم بها البحرية المصرية في إطار هذه العملية الأمنية غير المسبوقة، تشير إلى أن الغرض من العملية ينطوي على بعض الأهداف الإقليمية. "سيناء 2018" ليست مجرد حملة ضد الإرهابيين، بل هي رسالة إلى الخصوم الإقليميين وعلى رأسهم تركيا.
بعد أيام على بدء مصر المرحلة الأولى من إنتاج الغاز في حقل "ظهر" العملاق في البحر المتوسط، أعلنت تركيا أنها ستبدأ عملية استكشاف الغاز في شرق المتوسط. وبررت تركيا رفضها الواضح لترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الذي تم عام 2013، بالقول إنها "تنتهك الجرف القاري التركي عند خطوط العرض 32، و16، و18 درجة". وقالت تركيا أيضا، إن القبارصة اليونانيين يتجاهلون "حقوق القبارصة الأتراك الثابتة في الموارد الطبيعية"، ويهددون استقرار المنطقة.
ما يثير القلق أن خطاب تركيا العدائي وتهديداتها باتخاذ إجراءات قانونية، تزامنت مع مناورة عدوانية. ففي يوم الجمعة الماضي عرقلت سفن حربية تركية حفارا بحريا مملوكا لشركة الطاقة الإيطالية "إيني"، التي اكتشفت حقل "ظهر" المصري وتديره. ومنعت السفن التركية الحفار من الاقتراب من منطقة استكشاف جنوب شرق قبرص.
لم تأخذ القاهرة الخطاب العدائي التركي بخفة ـ حتى قبل عرقلة حفار "إيني". ونقلت وكالة رويترز تحذير المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، من أي "محاولة لانتهاك أو انتقاص حقوق مصر في تلك المنطقة"، وأضاف أبو زيد أن اتفاق عام 2013 بين مصر وقبرص قد أودع لدى الأمم المتحدة.
إقرأ للكاتبة أيضا: تأملات في محاولة الفريق سامي عنان الترشّح للرئاسة
يعتقد شهاب المكاحلة، محقا، أنه في ظل غياب التعاون بين دول شرق المتوسط المعنية بسبب قضية ترسيم الحدود، فإن الحرب قد تندلع في أي لحظة. إن احتمال حدوث مواجهة شاملة بين مصر وتركيا نتيجة لهذا النزاع البحري، هو بالتأكيد احتمال وارد بنسبة أعلى من إمكانية اندلاع أي من النزاعات الأخرى المرتبطة بملف الغاز في شرقي المتوسط.
يشير مراقبون إلى التنافس المرير بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، والذي يختمر منذ خمس سنوات، عند الحديث عن الجمود في العلاقة التركية ـ المصرية. فمنذ الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي، وأردوغان يمطر القيادة المصرية بالخطابات العدوانية؛ ورحب بشخصيات الإخوان المسلمين المنفية، وسمح بأن تكون إسطنبول مقرا للعديد من القنوات التلفزيونية المعادية للسيسي.
ومع ذلك، فإن صراع مصر وتركيا على الغاز أعمق بكثير من الاختلافات الأيديولوجية بين الدولتين. إذ يرى الرئيس أردوغان الجمهورية التركية استمرارا للإمبراطورية العثمانية. وعلى الرغم من أن لديه دولة ناجحة، يحرص أردوغان على إعادة تشكيلها لتناسب أجندته الأيديولوجية التي يرى نفسه فيها قائدا لمشروع إسلامي مستوحى من السلطنة العثمانية. وفي هذا السياق، فإن مسألة استخراج الغاز بالنسبة لتركيا هي مسألة هيبة وتأثير إقليمي، وليس بالضرورة أمرا يتعلق بالحاجة أو بندرة في الغاز. فمن الناحية الاقتصادية، تبنت تركيا سياسة جديدة للطاقة انتقلت فيها من قطاع الطاقة المعتمد على الغاز الطبيعي المستورد، إلى قطاع طاقة موحد يعتمد على موارد محلية مثل الفحم والطاقة المتجددة. وأكثر من ذلك، تهدف تركيا لتصدير الفائض من الغاز الذي ستحصل عليه.
بالنسبة لمصر، فإن قضية الغاز في شرق المتوسط ليست مسألة أيديولوجية أو تنافس إقليمي، بل قضية حياة أو موت. فحقل "ظهر" للغاز الطبيعي، الذي تستثمره "إيني"، واحتياطيه الضخم، يمكن أن يشكل حلا دائما لاحتياجات أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، ويقرب مصر من هدفها المتمثل في الاكتفاء الذاتي من الطاقة. لا يمكن لأي رئيس مصري، أن يتحمل كلفة التخلي عن هذا الحقل. وسيكون البديل العودة إلى الحقبة الرهيبة من الانقطاع في التيار الكهربائي والطوابير الطويلة لشراء أسطوانات الغاز.
إقرأ للكاتبة أيضا: الإسلاموية الاجتماعية في مصر
وترى مصر أن الأمن على طول حدودها على البحر الأبيض المتوسط أمر ذو أهمية كبيرة، ويجب الحفاظ عليه مهما كان الثمن. ومنذ بداية عملية "سيناء 2018"، لم يبذل المتحدث باسم الجيش المصري أي جهد لإخفاء واقع أن الدفاع عن الأهداف الاقتصادية البحرية للبلاد، هو جزء من المهمة.
القاهرة لن تتجاهل تصرفات تركيا العدوانية ضد حفار شركة "إيني" الإيطالية. ربما تدرك القيادة العثمانية الجديدة في أنقرة أن التسوية القانونية لنزاع بحري ستستغرق سنوات، وقد لا يكون الحكم لصالحها؛ بالتالي قررت على ما يبدو أن تتحول إلى تكيتيك التنمر، لجعل أعمال الحفر مكلفة وصعبة على الشركة الإيطالية. لقد بات التنبؤ بتصرفات نظام أردوغان أمرا صعبا. وسياسة "اللعب بالنار"، يمكن أن تشعل بسهولة مواجهة إقليمية، لن تتردد مصر عن المشاركة فيها.
إن التراجع عن اتفاق 2013 البحري مع قبرص لصالح تركيا، سيكون خطوة انتحارية لأي قيادة مصرية، وليس فقط للقيادة الحالية برئاسة عبد الفتاح السيسي. بدء مصر العام الحالي بمناورة عسكرية ضخمة، يعني أن القاهرة توجه للقيادة التركية ذات التطلعات المتزايدة، رسالة بضرورة الابتعاد عن كنزها المتوسطي: حقل الظهر الغازي.
ــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)