بقلم سناء العاجي/ موقع الحرة
في المكتب، طلبت منها زميلتها أن ترافقها لشراء نوع معين من الحلويات، على اعتبار أنها تحضر منها أصنافا جيدة للمكتب. زميلتها تلك، عروس تستعد لحفل خطوبتها، لذلك فهي تريد نوعا معينا من الحلويات، وبجودة عالية.
خلال استراحة الغداء، رافقت الفتاة الشابة زميلتها إلى المحل الذي اعتادت أن تشتري منه تلك الحلويات.. اشتريتا ما تحتاجه العروس وعادتا إلى المكتب. أعطت العروس بعض الحلويات لزملاء آخرين في المكتب كي يتذوقوا منها، ولم تهد منها لزميلتها التي رافقتها لشرائها. إلى هنا، قد يكون الأمر عاديا: نسيان، عدم انتباه، عدم اعتراف بالجميل، إلخ.
لكن العروس بادرت زميلتها معتذرة: "أنا آسفة.. لم أهدك من الحلويات التي اشتريناها معا، لأن تناول فتاة غير متزوجة من حلويات الخطوبة، قبل العريس والعروس، هو فأل سيء للعروسين".
هكذا! وبكل بساطة..
اقرأ للكاتبة أيضا: حرروا الدين من الجهلة والمجانين
تناول فتاة غير متزوجة من حلويات الخطوبة قبل العروسين سيجلب لهما التعاسة. وكأن عدم تناولها لهذه الحلويات سيضمن لهما السعادة في حياتهما المستقبلية.
وضع العروس للحناء ليلة العرس سيجلب لها السعادة. وكأن الحناء ضمان سعادة في الحياة الزوجية.
رغم أن الواقع يثبت أن أغلب الزوجات اللواتي تعرضن للخيانة أو الضرب أو أشكال أخرى من العنف، احترمن جل تقاليد الفأل الحسن: حناء العروس، حصر الحلويات على المتزوجين قبل الخطوبة (وهو أمر غريب لم أسمع به من قبل) وغيرها من أفكار الخرافة.
ورغم أن العقل والمنطق يقولان بأن لا شيء من هذه التقاليد يحمي الرجل والمرأة من مطبات الحياة وصعابها.
ورغم أن هذه العروس فتاة متعلمة حاصلة على شهادة جامعية عليا.
لكن لا شيء من كل هذا منعها من أن تنخرط في فكر وفي فعل الخرافة.
قد نتفهم هذه الأفكار لدى فئة الأشخاص غير المتعلمين. لكن، كيف تكون متعلما وواعيا ودارسا، وتؤمن بالفأل الحسن والسيء؟ كيف تكون متعلما وواعيا ودارسا، وتؤمن بأن ممارسات معينة تقي الشخص أو الزوجين من صعوبات ومشاكل الحياة وأن تفاصيل أخرى ستجلب لهما الشؤم؟ طبعا، يمكن للشخص أن يحب الحناء كزينة مثلا... لكن، هناك فرق بين أن تعجبنا الحناء كزينة وبين أن نعتقد بأن تلك الحناء ستضمن للعروس الحب والسعادة.
اقرأ للكاتبة أيضا: ومن الإرث ما ظلم
يبدو الأمر وكأن الكثير من الفتيات، مهما بلغ مستوى وعيهن وتعليمهن، فهن حين يتعلق الأمر بالخطوبة والزواج، يفضلن الانخراط في الفكر التقليدي وفي أفكار الفأل الحسن والمهر و"هدايا العريس" (إلى أي مدى يمكن أن نعتبرها "هدايا" حين يكون الأمر مفروضا في إطار مراسيم العرس؟) ومختلف التفاصيل التقليدية لحفلات الخطوبة والزواج. قد تكون مقتنعة بصعوبات الحياة وبضرورة اقتسام المسؤولية مع زوجها، لكنها تعتبر في نفس الوقت بأن التفاصيل المادية لحفل ومراسيم الزواج (مكان الحفل، تفاصيله، تكاليفه، المهر، إلخ)، إذا ما قلّت شكلا وتكلفة عما تفعله جاراتها أو زميلاتها أو قريباتها، ففي ذلك انتقاص من كرامتها وقيمتها كأنثى. رغم أن التجارب المختلفة تثبت مرة أخرى أن الكثير من الزوجات اللواتي عانين من العنف أو الخيانة، أقمن أعراسا كبيرة وتلقين "هدايا" كثيرة من الزوج وبمهر وغيره.
لكننا مع ذلك نبقى متمسكين بتفاصيل الفأل الحسن والسيء، وتفاصيل الشكل والمظاهر (مبلغ المهر، حجم وشكل حفل الزفاف والخطوبة، إلخ). لعلنا، لو وفرنا نفس القدر من الاهتمام ونفس التركيز لتفاصيل العلاقة وللشريك، لاقتربنا أكثر من أسس التفاهم والشراكة والانسجام والسعادة.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)