بقلم جاكسون دويرينغ/ موقع الحرة
يشير هذا المرصد السياسي إلى معلومات من "خريطة مفصلة لغوغل" تم جمعها من قبل المؤلف. انقر هنا للوصول إلى الخريطة.
في أغلب أيام الحرب السورية، شكلت الميليشيات جزءا مهما من قوات بشار الأسد. وفي حين تتبع الميليشيات الوطنية السورية إلى حد ما أولويات النظام بالقتال من أجل حماية المراكز السكانية الأساسية مثل دمشق وحلب وحماة، فإن الميليشيات المدعومة من إيران تميل إلى التركيز على مصالح طهران، وخصوصا جهودها الرامية لبناء جسر بري بين إيران ولبنان.
بالإضافة إلى ذلك، تحافظ الميليشيات الإيرانية في جنوب البلاد على الأراضي التي تستولي عليها بدلا من تسليمها إلى النظام. وإذا بقي الأسد على رأس السلطة عند انتهاء الحرب، فسيكون رهينة لإيران بسبب عجز جيشه المتكرر عن تأمين السيطرة على الأراضي بمفرده. وفي الواقع، بسبب تحول غير متوقع في سياسة الولايات المتحدة، قد تكون سورية على وشك أن تصبح مشابهة للبنان تحت رئاسة إميل لحود، أي: رهينة دائمة لقوة أعظم.
الجهات الفاعلة والدوافع
أصبح استخدام الميليشيات ضروريا بالنسبة للأسد بعد أن تقلص حجم جيشه خلال العامين الأولين من الحرب إلى جزء أصغر من حجمه السابق. وفي عام 2013، اعترف "حزب الله" اللبناني علنا بدوره في القتال دفاعا عن النظام، في حين ازداد وجود "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني من 700 عنصر إلى حوالي 3000 منذ بدء التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015.
وقد تحمل "حزب الله" والميليشيات الأخرى وطأة السيطرة على الأراضي على الأقل خلال السنوات الخمس الماضية، إذ احتلت الميليشيات السورية مناطق في شمال وغرب البلاد بينما ركزت الكتائب المدعومة من إيران على جنوب سورية (على الرغم من أن "حزب الله" وبعض الفصائل الأجنبية الأخرى انضمت إلى معارك كبيرة في الشمال عندما كانت هناك حاجة إليها للحفاظ على النظام، بما في ذلك في حلب).
وتشمل المليشيات السورية التي تتلقى تعليماتها من الأسد قوات "درع القلمون" و"درع الوطن". وركزت معظم حملاتها على حلب وإدلب وريف دمشق وعمليات أصغر حجما مثل "معركة القريتين".
أما الميليشيات التي يتم تسليحها وتمويلها وإدارتها من قبل إيران فتشمل "حزب الله" و"لواء فاطميون" و"لواء زينبيون" وعناصر من "قوات الحشد الشعبي" العراقية مثل "لواء الإمام علي". كما يتمتع "الحرس الثوري الإسلامي" بحضور كبير، ولكن ليس إلى حد مشاركة عناصره في القتال في الخطوط الأمامية، بل كهيكل قيادي ونسيج ضام يربط بين حلفاء طهران في سورية، من بينهم الميليشيات المكونة من السكان المحليين (مثل "لواء الإمام الحسين"، الذي شارك في الهجوم الأخير على "بيت جن").
وتتخذ بعض الميليشيات موقفا وسطا. فعلى سبيل المثال، تعمل "قوات الدفاع الوطني" تحت قيادة نظام الأسد وتتبع مصالحه، لكنها تخضع لنفوذ إيراني كبير أيضا. وفي الوقت الحالي تحارب "قوات الدفاع الوطني" قوات المتمردين في معقل المعارضة في مدينة حرستا شمال شرق دمشق.
ومن الصعب تقدير العدد الإجمالي للقوات المدعومة من إيران، ولا يتم الإفصاح عن معلومات عنها إلا بين الفينة والأخرى. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في أيلول/سبتمبر 2017، نقلا عن أحد قادة "حزب الله" الذي ادعى أن هناك 10,000 مقاتل من عناصر الحزب في جنوب سورية. وفي 17 كانون الثاني/يناير 2018، أشار مسؤول إيراني إلى مقتل 2000 من عناصر "لواء فاطميون" وإصابة 8,000 آخرين منذ وصولهم إلى سورية.
وتظهر تقديرات أخرى أن مجموع القتلى يصل إلى حوالي 865 قتيلا. وبطبيعة الحال، هناك حوافز سياسية وراء المبالغة في أعداد الضحايا أو التقليل منها. فعلى سبيل المثال، لا يحب الجمهور اللبناني أن يسمع أن أعدادا كبيرة من مقاتلي "حزب الله" يموتون بسبب قضية إيرانية، حتى وإن كانت مجتمعاتهم تتعاطف عادة مع تلك القضية. وفي المقابل، قد يكون لدى إيران سبب يدعوها إلى التلاعب بعدد القتلى من "لواء فاطميون" و"لواء زينبيون"، ربما لاعتقادها بأنها ستحشد المجتمعيْن الأفغاني والباكستاني كونها تستمد مقاتليها منهما (راجع أدناه تفاصيل إضافية عن هذا الموضوع).
وبالنسبة إلى الدوافع، فلدى الميليشيات الموالية للأسد حوافز سياسية واقتصادية واضحة للقتال، لأن سورية هي وطنها. أما القوات المدعومة من إيران فلها دوافع أكثر تنوعا تركز على ثلاثة أهداف رئيسية هي:
- حماية مقام السيدة زينب، الضريح الشيعي البارز قرب دمشق، ومحاربة التهديد الجهادي السني قبل وصوله إلى إيران.
- إبقاء الأسد في السلطة كونه عميلا مفيدا وتابعا في الوقت نفسه.
- إنشاء طريق بري عبر العراق وسورية ولبنان من أجل ترسيخ العمق الاستراتيجي وإنشاء خطوط إمداد متعددة للميليشيات التي تعتمد على إيران.
وتحقيقا لهذه الغاية، فإن القوات الخاضعة لقيادة إيران غير مهتمة بشكل خاص بهدف الأسد المعلن والمتمثل في السيطرة على "كل شبر من سورية". فهناك مزيج من الإيديولوجيا وحوافز المكافأة والعقاب التي تدفع "لواء فاطميون" للمشاركة في القتال. فعلى سبيل المثال، يمكن لبعض الأفغان المقيمين في إيران الحصول على الجنسية الكاملة إذا وعدوا بالانضمام إلى اللواء، في حين يضطر آخرون إلى الانضمام عن طريق التجنيد الإجباري.
وفي حين لا يزال هناك أفراد من "حزب الله"، و"الحرس الثوري الإسلامي" وغيره من القوات الإيرانية متواجدين في جميع أنحاء المناطق غير المهمة بشكل مباشر للجسر البري، فإن جهودهم تميل إلى تحقيق الهدف الأول المتمثل في إبقاء الأسد في السلطة. وخلال هجوم كانون الأول/ديسمبر الماضي في "بيت جن"، على سبيل المثال، كانت الميليشيات الإيرانية حاضرة ولكنها لم تركز على القضاء على مقاتلي المعارضة. وبدلا من ذلك، تم التوصل إلى اتفاق يسمح للمتمردين بالانتقال إلى آخر معاقلهم الشمالية المتبقية في إدلب. وشارك "حزب الله" في الهجوم أيضا، لكنه لم ينشر جنوده على خط المواجهة خوفا من التضحية بالكثير منهم من أجل أراض غير ضرورية.
التطورات الأخيرة
في الواقع، يتضح أن الميليشيات المدعومة من إيران غير مهتمة بمواصلة الكفاح ضد جماعات المتمردين مثل "الجيش السوري الحر" و"هيئة تحرير الشام" من خلال حجب قواتها بشكل متزايد عن الخطوط الأمامية. وبمجرد أن أطلق النظام حملاته لاستعادة مدينتي البوكمال ودير الزور على نهر الفرات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لوحظ عدد قليل من الوكلاء الإيرانيين حول إدلب أو حلب أو حماة أو القنيطرة. وبدلا من ذلك، بدا أنهم يركزون على الإجراءات على طول الطريق السريع M20 الذي يربط تدمر بدير الزور، وعلى طول الطرق الصحراوية المؤدية إلى محطة الضخ T2.
بالإضافة إلى ذلك، ما إن تقلص حجم الحملات على مدن نهر الفرات، تباطأت إلى حد كبير إعلانات الوفيات الخاصة بمقاتلي "حزب الله" و"الحرس الثوري الإسلامي" و"لواء فاطميون". وقد أشار الباحث في "المجلس الأطلسي" علي ألفونه، الذي يراقب هذه الإعلانات، إلى الانخفاض الكبير الذي حدث في أواخر الشهر الماضي، حيث كتب على موقع "تويتر" بأن سبعة عناصر فقط من مقاتلي "حزب الله" قتلوا في كانون الثاني/يناير (وبالمقارنة، كان تقديره الإجمالي من أيلول/سبتمبر 2012 إلى منتصف كانون الثاني/يناير 2018 هو 1,214 قتيل).
وتشير هذه الأرقام إلى أنه في حين أن هذه الميليشيات ما زالت مستعدة لمساعدة الجيش السوري عند الضرورة، إلا أنها تكتفي في الغالب بتأمين الأراضي التي احتلتها مؤخرا، ووضع الأسس لجسر إيران البري عبر جنوب سورية بدلا من العودة إلى العمليات الرئيسية ومعارك الخطوط الأمامية في معاقل المتمردين مثل إدلب. وفي اعتراف قاطع بهذا التحول، أظهر شريط فيديو صدر بعد استعادة بلدة البوكمال الحدودية عبور قائد "قوة القدس" في "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، قاسم سليماني، الحدود العراقية ـ السورية في محاولة رمزية لتوحيد الشيعة في كلا البلدين.
ويفسر ذلك كيف يمكن أن تتماشى أولويات طهران مع الأسد خلال الحملات على مدن نهر الفرات، ولكن بشكل أقل الآن بعد انتهاء تلك الهجمات. فعلى سبيل المثال، خلال المعركة بين كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير في مدينة أبو الظهور الشمالية ـ الغربية، أدت الميليشيات المدعومة من إيران بشكل أساسي دور قوات الدعم، بدلا من القتال في الخطوط الأمامية. وتدخلت في بعض الأحيان عندما توقف تقدم الجيش السوري، كما رأينا في الجزء الشمالي ـ الشرقي من حملة أبو الظهور وفي الفوعة. وبالمثل، أشار المحلل أيمن جواد التميمي في الشهر الماضي إلى أنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى مشاركة رئيسية لـ"حزب الله" في القتال الذي جرى في كانون الأول/ديسمبر للسيطرة على "بيت جن"، باستثناء الإعلان عن حالة وفاة واحدة بشأن قائد مزعوم. ومع ذلك، يمكن أن تصبح البلدة أكثر أهمية لإيران في المستقبل كقاعدة محتملة لمضايقة القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان.
وفي الوقت نفسه، بعد أن انخفض القتال حاليا بشكل ملحوظ في الجنوب الشرقي من البلاد، برزت بعض المعلومات التي تشير إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران قد تحاول دمج نفسها هناك. وتظهر أشرطة فيديو وصور مختلفة جنودا في البوكمال يحملون رايات إيرانية وأخرى لـ"قوات الحشد الشعبي" العراقية إلى جانب أعلام سورية و"حزب الله".
ولكن الدليل الأفضل على نوايا طهران في الجنوب الشرقي من البلاد هو عدد الإطلالات العلنية التي قام بها الأفراد الإيرانيون وعناصر الميليشيات خلال الهجمات على مدن نهر الفرات. وفي الفترة الممتدة من أيلول/سبتمبر إلى كانون الأول/ديسمبر 2017، أصدرت الميليشيات إعلانات عن عدد القتلى أو أظهرتهم في عدة صور وفيديوهات وبيانات إعلامية، وكانت الإعلانات تشكل مصدرا رئيسيا للمعلومات عن أماكن وجود القتلى. وبشكل مماثل، أظهرت إيران دعما الواضح لشبكة الميليشيات التابعة لها وللأسد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار.
التداعيات السياسية
خلال الشهر الماضي، أصدرت إدارة ترامب إعلانين مهمين عن سورية. ففي 17 كانون الثاني/يناير، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إن تقليص النفوذ الإيراني ومنع طهران من تحقيق "أحلام القوس الشمالي" كانا من بين أهداف واشنطن الخمس الأساسية في الحرب، وإن القوات الأميركية البالغ عددها 2000 جندي والتي تم نشرها في سورية ستبقى هناك من أجل تعزيز هذا الهدف.
وبعد ذلك بأسبوع، أصدر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وثيقة "استراتيجية الدفاع الوطني" التي أشارت مرة واحدة فقط إلى سورية، ولكن تعاملت مع المسألة بشكل صحيح على أنها مشكلة إيرانية، حيث رأت أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي الأميركي". ولم تذكر الوثيقة الميليشيات في سورية، وجاءت الاستجابة الإجمالية للإدارة الأميركية لهذه المشكلة فاترة في أحسن الأحوال. ومن خلال إعادة توجيه استراتيجية الدفاع الأميركية نحو المنافسة بين القوى الكبرى التي تضم الصين وروسيا ونحو البرنامج النووي الإيراني، أشارت الإدارة الأميركية إلى أنها لن تمنح أولوية إلى هيئة معينة ما لم تشكل تهديدا مباشرا على الوطن.
وفي المرحلة المقبلة، ستواجه الولايات المتحدة المجموعة ذاتها من المصالح الحقيقية ولكن المحدودة في سورية. ويبدو أن سلبيات التدخل العسكري المباشر تفوق فوائده المحتملة، ولا يزال العديد من المناصب الدبلوماسية الأميركية الهامة في المنطقة شاغرة. وقد التزمت الإدارة الأمريكية بإبقاء قواتها في سورية، ولكن إذا استمرت مواردها وأعدادها على ما هي عليه، فمن غير المرجح أن تغير مسار الحرب.
ومع ذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين أن يدركوا أنه لمجرد أن ميليشيا معينة تبدو وكأنها تعمل فيما يخدم مصالح الأسد، لا يعني ذلك بالضرورة أنها ستبقى في خدمة النظام إلى أجل غير مسمى. فلدى معظم الميليشيات داخل سورية رعاة آخرين بالإضافة إلى دمشق، وسوف تنسق أعمالها وفقا لذلك. والأمر الأكثر أهمية هو أن القوات المدعومة من إيران ستتبع تركيز طهران على تأمين ممر للبحر الأبيض المتوسط. لذلك، في حين أن الأسد يسيطر اسميا على الأراضي المستردة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي من البلاد، إلا أنه لن يسيطر عليها أبدا حقا طالما تتطلب مصالح إيران تلك الأراضي.
جاكسون دويرينغ هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن.
المصدر: منتدى فكرة
ــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)