نبيه بري، رئيس حركة أمل، ورئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992 (أرشيف)
نبيه بري، رئيس حركة أمل، ورئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992 (أرشيف)

بقلم حازم الأمين/ موقع الحرة 

ثمة عبارة شديدة التخلف والرجعية صارت جزءا من القاموس السياسي اللبناني، كان أدخلها إلى هذا القاموس النظام السوري، والعبارة هي: "الأبد"، وكانت وصلتنا إلى لبنان على النحو التالي: "رئيسنا إلى الأبد حافظ الأسد"، ولاحقا استعيض عن حافظ ببشار، فصار بشار الأسد في عرف مؤيديه السوريين واللبنانيين رئيس سورية إلى الأبد.

مناسبة استعادة هذه العبارة الكارثة ليس ما جرته هي نفسها على لبنان وعلى سورية وعلى أهل البلدين، إنما صور لبنانية عنها بدأت تلوح مع اقتراب موعد الانتخابات اللبنانية! فإذا كان التوريث العلامة الأولى لهذه الانتخابات، بحيث بدأ جيل كامل من الورثة يحل محل مورثيه من زعماء الطوائف والأحزاب اللبنانية، فإن "الأبد" هنا يلوح بصفته معطى بديهيا، وليس وليد جنبلاط صورته الوحيدة بصفته المورث الأكبر في لبنان، ذاك أن مورثين صغارا من أمثال نجاح واكيم ووئام وهاب وطلال إرسلان، انضموا إلى قافلة "الأبد" اللبنانية.

ثم أن الهندسة الوراثية اللبنانية لم تقتصر على شكلها العامودي، أي من الأب إلى الابن، فثمة توريث أفقي، كأن يتنازل نائب عن مقعده لشقيقه أو شقيقته، ويبدو أن حالة من هذا النوع ستحصل في دائرة زحلة.

سقط "الأبد" على رؤوس الشيعة اللبنانيين على نحو أشد تعقيدا، فصدقوا أنه مصيرهم وراحوا يقترعون له، ولا تلوح فرصة نجاة قريبة منه

​​لكن ثمة صورة أكثر قتامة لـ "الأبد" اللبناني، ومضمونها ليس توريثيا، إنما ثبات من المفترض أن فكرة الانتخابات ولدت لتجنيب الدول والمجتمعات من خطر الوقوع فيها. فالانتخاب هو فعل اختيار، وأن يواصل الشيعة اللبنانيون انتخاب تحالف حزب الله وحركة أمل على مدى ربع قرن، ومن المرجح بعد هذه الانتخابات أن نصبح أمام حقيقة أن هذا التحالف لم يتم خرقه بمقعد نيابي واحد على مدى ثلث قرن، فهذه سابقة لا مثيل لها في تاريخ التمثيل النيابي في العالم كله. ونحن هنا أمام ثبات لا تهزه متغيرات هائلة أصابت العالم والشرق الأوسط ولبنان. وهذه ظاهرة تستحق فعلا التأمل فيها بصفتها سابقة تاريخية، لا سيما وأن القول إن المقترعين لحزب الله وحلفائه أجبروا على خطوتهم، أو إن الحزب زور نتائج الانتخابات، تنطوي على مبالغة، على الرغم من أن فعل "الثبات" في الاقتراع لم يكن ديموقراطيا ولم يكن ثباتا حرا.

اقرأ للكاتب أيضا: النُعاس الذي يرافق ارتكاب الجريمة في الغوطة

يمكن عرض الكثير من الوقائع التي تكشف عن دور حزب الله وأمل بصفتهما سلطة أمر واقع تعامل معها المقترعون الشيعة في لبنان. كما يمكن استعراض الاحتقان الطائفي بصفته دافعا حاسما لكي تقترع الطوائف اللبنانية لأصحاب الصوت المذهبي الأعلى. وعلى المستوى اللوجستي وظف كل من حزب الله وحركة أمل ماكينات انتخابية هائلة مكنتهما من احتكار التمثيل على مدى هذه الفترة الزمنية غير المسبوقة.

 كل هذا يجب عدم إهماله في تفسير الظاهرة ومحاولة فهمها، لكن ثمة ما يجب أيضا التفكير فيه والإجابة عنه، ويتمثل في نتائج أن تواظب جماعة أهلية وطائفية على الاقتراع لنفس الحزب ولنفس الخيار طوال ثلث قرن، وألا تطرح على نفسها مهمة إجراء تغيير ولو طفيف في خياراتها! فهذا الثبات ضد السياسة وضد ما يعنيه تعاقب الأيام والسنوات.

الثبات الشيعي اللبناني ليس نظيرا لثبات إيراني، كما أنه ليس نظيرا لثبات شيعي عراقي، ذاك أن لدى شيعة العراق قوى تتنافس وتتحالف وتخسر في الانتخابات، وتتمرد على خيارات المرشد الإيراني

​​فحتى تجربة السلطة التي استمد منها حزب الله نموذجه في العلاقة مع جماعته ومجتمعه، أي إيران وجمهوريتها الإسلامية، يقتصر الثبات فيها على المرشد، فيما تتنافس في الانتخابات هناك قوى سياسية واجتماعية، وأحيانا يبلغ تنافسها مستويات مهددة لسلطة المرشد وللنظام على نحو ما جرى في العام 2009. فما جرى في ذلك العام دفع المرء إلى اكتشاف أن ثمة شيء حي في إيران، وأن ثمة من يملك طموحات تغييرية فعلية، وهو ما عكسته أيضا وإن على نحو أقل عنفا الانتخابات التي جاءت بالرئيس الحالي حسن روحاني.

اقرأ للكاتب أيضا: العالم إذ يشيح بوجهه عن المرآة خوفاً من أن يرى "داعش"

إذا الثبات الشيعي اللبناني ليس نظيرا لثبات إيراني، كما أنه ليس نظيرا لثبات شيعي عراقي، ذاك أن لدى شيعة العراق قوى تتنافس وتتحالف وتخسر في الانتخابات، وتتمرد على خيارات المرشد الإيراني، كحال السيد مقتدى الصدر مثلا.

الثبات مواز لفكرة "الأبد"، وفي السياسة هو نوع من الموت، ذاك أنه لا ينسجم مع فكرة جريان العيش وتصريف الحياة وفقا لما يمليه التقدم من متغيرات. والثبات أيضا أشد قسوة وتخلفا من التوريث على رغم الشبه بينهما وارتباطهما بنموذج سلطة جائرة. بشار الأسد صار رئيسا لسورية بعد موت والده ليس بصفته وريثا فحسب، إنما بصفته امتدادا لـ "الأبد" الذي اختاره والده لسورية.

يبدو أن الشيعة اللبنانيين سقطوا في "الأبد"، وهنا يلوح فارق بين أبدهم وأبد السوريين، إذ أن الأخيرين انتفضوا على أبدهم على رغم المآسي التي حفت في انتفاضهم عليه وعلى رغم تعثرهم في هذا الانتفاض، فيما سقط "الأبد" على رؤوس الشيعة اللبنانيين على نحو أشد تعقيدا، فصدقوا أنه مصيرهم وراحوا يقترعون له، ولا تلوح فرصة نجاة قريبة منه.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة: